من هم الأمازيغ؟ وما هي مطالبهم؟ ولماذا لم يستطيعوا بلورة خطاب موحد لطرح قضيتهم؟ هل مشكلتهم الحرية الدينية؟ أم الحقوق الثقافية؟ ما موقف الحكومات والأحزاب في المغرب العربي من قضيتهم؟ ما هو المسكوت عنه في القضية الأمازيغية في الماضي والحاضر، ما نجهله عنها، منذ مقاومة “الكاهنة” للجيوش العربية، إلى قمع التظاهرات الأمازيغية في الوقت الراهن؟
يعتبر الأمازيغ من أكثر الشعوب افتخاراً بعرقهم. مرد ذلك إلى أسباب تاريخية إذ يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لمناطق انتشارهم قبل قدوم العرب على دفعات، وقبل تعرّب عدد كبير منهم بعد انتشار الإسلام الناطق بالعربية. في كثير من النقاشات الفكرية يعتبر الأمازيغ أن حالتهم تشبه حالة الهنود الحمر الذين اضطهدوا قبل أن يتحوّلوا إلى أقلية في الولايات المتحدة الأمريكية. الفرق بين الشعبين هو أن الأمازيغ لا يزالون حاضرين بقوة في بلدان المغرب العربي، وجنوب الصحراء، ويشكلون في بعض المناطق أغلبية وفي بعضها الآخر أقلية.
تعود اللغة الأمازيغية لأصول سامية، وتتكون من عدة لهجات، بعضهم كتبها بالحروف اللاتينية، وهناك محاولات لكتابتها بالحروف العربية. وكلمة أمازيغ تعني بالأمازيغية “الإنسان الحر النبيل”. وقد وردت كلمة أمازيغ في النقوش المصرية القديمة، وكذلك في المؤلفات اليونانية والرومانية. وكان الرومان يطلقون على القبائل المنتشرة في شمال إفريقيا اسم بربر، وأخذت كلمة “البربر” عند الرومان معنى سياسيا، وأطلقت على الشعوب التي يعتبرونها في مرتبة حضارية أدنى منهم.
عاش الأمازيغ في شمال أفريقيا وهو موطنهم الام وتقريبا في المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي. ولم يعرف أي شعب سكن شمال أفريقيا قبل الأمازيغ. ومع دخول العرب استعربت اقلية نخبوية من الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية أو بالأحرى اللهجة العربية المغاربية، أما أمازيغ جزر الكناري فقد تبنوا اللغة الأسبانية غير أن الكثير منهم يعتبرون أنفسهم أمازيغا.
أظهرت أحداث الربيع الأمازيغي أن الحركة البربرية كانت أكثر نشاطا وتنظيما، مستفيدة من جملة من العوامل تتعلق بالحراك المدني وحركة التنقل الكبيرة للكوادر البربرية إلى الخارج بما يثري ذلك التجربة الفردية والجماعية. كما أنها سبقت الكثير من الحركات المعارضة للسلطة في السبعينات والثمانينات، وكانت أكثر تنظيما، بدليل أن الإسلاميين انتظروا حتى عام 1982 للخروج إلى الواجهة، والتيارات الديمقراطية ظلت متوارية إلى ما بعد أكتوبر 1988، وتشير الكثير من التحاليل التي فحصت أحداث أكتوبر 1988 أنها قادت الجزائر إلى إنهاء مرحلة حكم الحزب الواحد والتوجه رأسا نحو التعددية السياسية.
كانت أحداث الربيع الأمازيغي، مؤشراً على تحول في الوعي السياسي للمجتمع السياسي في الجزائر، إضافة إلى أنه كان بداية انكسار حلقة الخوف التي كانت تحكم المجتمع الجزائري، بدليل أن أحداثا كثيرة تلت الربيع الأمازيغي، كأحداث الجامعة المركزية عام 1982 وأحداث قسنطينة عام 1984 وأحداث أخرى جرت عام 1986.
يتمحور النضال الأمازيغي اليوم حول الخطوة الأولى وهي تحصيل الحقوق الثقافية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية، بعد سنوات طويلة من الاضطهاد. يقول الفنان الأمازيغي كاتب أمازيغ، الملقب بالمتمرد، في توصيف دقيق للحالة التي يعيشها شعبه: “إذا كنا عرباً، فلماذا تعربوننا، وإذا لم نكن عرباً فلماذا تعربوننا؟”. ينتقد الفنان في قوله الشهير هذا، الاضطهاد من قِبل العرب الذين يفضل الأمازيغ إطلاق تسمية مستعربين عليهم على أساس أنهم أمازيغيو الأصل.
في تاريخ المغرب العربي، ثار الأمازيغ مراراً على ما يسمونه الاستعمار العربي لبلادهم. البداية كانت من الانتفاضة على عبيد الله بن الحبحاب، والي أفريقيا في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، والنهاية كانت في أسبقية ثورة أهالي جبل نفوسة الأمازيغي على حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وتحولهم إلى مركز عمليات ضد قواته.
الآن، لا يُسقط الأمازيغ من حساباتهم كل السبل العسكرية والسياسية حتى تحقيق مطالبهم. فهم يصرّون على إشهار انتمائهم العرقي، والتفاخر به، ويناضلون بما تيسر لهم، في انتظار ولادة دول تحفظ حقوقهم أو في انتظار تحقيق حلم الدولة الأمازيغية الذي لطالما راودهم من دون أن يبصر النور.