باتت زيارة الوزير الأول الفرنسي، جان كاستاكس، إلى الجزائر غير ممكنة على الأقل، قبل التعرف على الرئيس الفرنسي الجديد في الانتخابات المرتقبة الشهر الداخل، وهو التأجيل أو الإلغاء الذي جاء في سياق حراك دبلوماسي طبعته ضغوط يائسة على الجزائر.
هذه الضغوط جسدها الموقف الإسباني الأخير من القضية الصحراوية، والذي جاء، وفق مصادر دبلوماسية، نتيجة تنسيق بين كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، بالتشاور مع نظام المخزن المغربي، الذي يعتبر رأس حربة تستعملها القوى الغربية من أجل تأجيج عدم استقرار المغربي العربي.
وبعد ما كانت الرئاسة الفرنسية قد حددت زيارة كاستاكس يومي 23 و24 مارس الجاري، وانتقل سفير الجزائر بباريس، محمد عنتر داود إلى العاصمة، من أجل التحضير لترتيبات هذه الزيارة بالتعاون مع الجانب الفرنسي، عاد السفير قبل أيام، إلى عمله في باريس من دون أن تتحقق نتائج تذكر على الأرض.
ووفق مصادر دبلوماسية فإن تحفظ الجزائر على استقبال الوزير الأول الفرنسي، يحركه دافع البقاء بعيدا عن التجاذبات الداخلية في فرنسا المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، علما أن كاستاكس، محسوب على الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، المترشح للاستحقاق الرئاسي المقبل، بحكم أنه (ماكرون) هو من اختاره مسؤولا أول على قصر الماتينيون.
ومن شأن زيارة كاستاكس إلى الجزائر في هذه الظروف، أن تضع الطرف الجزائري في حرج، بسبب ما قد يترتب عن ذلك من شكوك حول الاصطفاف إلى جانب المرشح الرئيس المنتهية ولايته، في حين أن ماكرون لم يقدم ما يشفع له حتى تقف الجزائر معه في معترك انتخابي، ولاسيما بعد التنكر الذي طبع مواقفه بعد انتخابه رئيسا، تجاه البلد الذي زاره في عام 2017 وتلقى منه دعما.
غير أن هذا المبرر يبقى ذو طابع دبلوماسي محض، وإن بدا للوهلة الأولى أنه مقبول، إلا أن ذلك لا يخفي وجود خلافات عميقة بين البلدين حالت دون إتمام هذه الزيارة في وقتها المحدد كما أعلن قصر الإيليزي، والذي لا يستبعد أن يكون قد استهدف من وراء تسريب موعد هذه الزيارة من جانب واحد، محاولة للضغط على الطرف الجزائري أو إحراجه في هذه المسألة.
وتوجد العديد من الملفات العالقة بين البلدين، وعلى رأسها ملف تنقل الأشخاص، الذي أضر كثيرا بالعلاقات الثنائية، منذ قرار السلطات الفرنسية من جانب واحد، تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف في سبتمبر المنصرم. وقد حاول ممثلو البلدين معالجة هذا الملف قبل موعد زيارة كاستاكس، غير أنه لم يحصل التقدم المأمول.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك ملفات أخرى لا تقل حساسية، ومن بينها ملف الذاكرة الذي لم يتمكن الرئيس الفرنسي من تحريكه رغم ما أظهره من مساع، بحيث بقي يدور في المحيط الذي سبق وأن تحرك فيه من سبقه إلى قصر الإيليزي، لكن من دون أن يجرؤ على الخروج منه، أو تجاوز الخطوط التي رسمت لأسلافه.
وفي السياق ذاته، تتوجس مصادر على إطلاع بهذا الملف، من أن باريس وفي الوقت الذي كانت تحضر فيه مع الجزائر من أجل زيارة كاستاكس، كانت نشطة أيضا على محور آخر بعيدا عن الأنظار، وهو التحالف الثلاثي المشكل من إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والذي أفرز موقفا إسبانيا مفاجئا بخصوص القضية الصحراوية، وهو المعطى الذي تحدثت عنه الصحافة الإسبانية، التي ذهبت إلى القول بأن الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إلى عاهل نظام المخزن المغربي، كتبت باللغة الفرنسية (…).
ووفق مصادر دبلوماسية فإن باريس وبعد أن عجزت عن الضغط على الجزائر من أجل تحقيق مكاسب في بعض الملفات ولاسيما ما تعلق بفتح أنبوب الغاز المار عبر المغرب نحو إسبانيا، لجأت إلى حيلة أخرى وهي التنسيق مع الإدارة الأمريكية التي يقوم وزير خارجيتها، أنطوني بلينكن، نهاية الأسبوع بزيارة إلى الجزائر. ووفق مصادر على علاقة بهذا الملف، فإن الجزائر تبدو غير مستعدة للعودة عن قرارها مهما كلفها من ثمن.
الشروق