تزداد المخاوف في تونس من تصاعد “موجة التصحر” التي تضرب القطاع الصحي بسبب الهجرة الكثيفة للكوادر الطبية وشبه الطبية إلى دول في أوروبا والخليج العربي خلال السنوات الأخيرة، وإمكان تواصلها بوتيرة أعلى في المستقبل.
ويبدي أطباء يرأسون أقساماً في مستشفيات حكومية قلقهم من ألا يجد التونسيون من يعالجهم في السنوات المقبلة، بعد الإعلان عن نجاح نحو ألف طبيب تونسي في مسابقة معادلة الشهادة الفرنسية، ما يفتح لهم أبواب العمل في مستشفيات فرنسا.وتباينت المواقف داخل الجسم الطبي في تونس في شأن نتائج مسابقة معادلة الشهادة الفرنسية التي ستسمح للأطباء الشبان التونسيين بالعمل في اختصاصات الإنعاش وطب الشيخوخة وطب النساء والتوليد، في وقت تعاني فيه مستشفيات البلاد من نقص كبير في كل الكوادر.وفيما أبدى أطباء من كبار الاختصاصيين سعادتهم بتفوّق أبنائهم في المسابقة الفرنسية بعدما تدربوا على أيديهم في المستشفيات، أكد آخرون أنهم يشعرون بحزن عميق من حالة “التصحّر” التي تضرب القطاع الصحي في بلدهم، محذرين من تداعيات هجرة الكفاءات خلال السنوات المقبلة.
وكتب رئيس قسم الطوارئ سمير عبد المؤمن، على صفحته على موقع “فيسبوك”: “أشعر بسعادة لنجاح زملاء لي ببراعة في الامتحان الفرنسي، لكن لا بد إلا أن حزن بعمق على وضع بلدي” .
وتابع: “يستعد مئات من أفضل أطبائنا للمغادرة إلى فرنسا، فيما سبق أن قصد آخرون بلداناً أخرى. وعدد المغادرين هذا العام قياسي مقارنة بالأعوام السابقة، وغالبيتهم من الأطباء الاختصاصيين”.
وأرفق عبد المؤمن تدوينته بصورة لطبيب شاب يتعرّض لعنف من مواطن خلال العمل، في إشارة إلى سوء ظروف عمل الأطباء التي تدفعهم إلى الهجرة بحثاً عن أوضاع مهنية أفضل وأكثر تقديراً لعلمهم وإمكاناتهم، وانتقد عدم قدرة الدولة على حماية النخب.
من جهته، قال عضو منظمة الأطباء الشبان وجيه ذكار لـ”العربي الجديد”: “يواجه الأطباء الشبان مخاطر يومية، ويدفعون ثمناً باهظاً لظروف عملهم السيئة في المستشفيات. والأكيد أن سياسة تهجير الأطباء التي تؤدي إلى مقاعد فارغة ستنتهي بتصحّر القطاع العام قريباً، لكن الفرصة لا تزال سانحة لتدارك الأسوأ”.
وتفيد الأرقام بأن تونس تخرّج سنوياً 800 طبيب يتمتعون بكفاءات عالية معترف بها دولياً، لكنها تشهد في المقابل تدهوراً في وضع منشآتها الصحية بسبب النقص في المعدات والدواء، وقلة الطواقم المرتبطة بسوء التصرف والفساد.أيضاً، عبرت عائدة البرجي، رئيسة قسم الإنعاش الطبي في مستشفى للأطفال، في رسالة وجهتها عبر صفحتها على “فيسبوك” إلى الأطباء الناجحين في المسابقة الفرنسية، عن فخرها بهم وجراءتهم في التقدم للمسابقة، وكتبت: “المستقبل لكم”.
وبررت البرجي مباركتها هجرة الأطباء الشبان بأنهم “يستحقون الهروب من الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيئ والغباء السياسي، مؤكدة أن المال لم يعد سبباً للهجرة، بل الوضع العام”.
ويبلغ عدد الأطباء الناشطين في تونس حوالي 8500، فيما اختار 3000 طبيب الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج، في وقت تعاني فيه مستشفيات البلاد الداخلية من نقص كبير في أصحاب الاختصاصات.
ولم تستطع تونس رغم كل الخطط التي وضعتها وزارة الصحة لتحفيز الأطباء على العمل في المحافظات الداخلية وقف مغادرة 80 في المائة من أولئك الشباب إلى دول أجنبية. وتتصدر ألمانيا وفرنسا ودول الخليج وكندا القائمة كنقطة جاذبة، وفق إحصاءات حديثة نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس.
وتحدد وزارة الصحة النقص في عدد الأطباء بحوالى 3 آلاف، بعدما كشفت جائحة كورونا حجم هذا النقص في الكوادر الطبية وشبه الطبية.وعلّق الطبيب رفيق بوجدارية، على صفحته الخاصة على “فايسبوك”، بالقول: “يهاجر الطبيب لأنه مقتنع بأن دولاً أخرى تمنحه ما لا يتوفر في تونس”، ودعا الحكومة إلى طلب تعويضات من البلدان التي تستقبل الكوادر الطبية التونسية للعمل في أريافها ومستشفياتها الداخلية وأحيائها الفقيرة ومراكز إيواء المسنين.
وتابع: “لا بدّ من توجيه أسمى عبارات التقدير والاحترام لكليات الطب في تونس التي تحقق نجاحات كبيرة رغم الصعوبات والمعوقات”.
إلى ذلك، طالب ائتلاف المجتمع المدني للدفاع عن المرفق العمومي للصحة، بوضع حدّ للتدهور الخطر لوضع القطاع الصحي العام المرتبط بتخلي الدولة عن القطاعات الاجتماعية.
العربي الجديد