تستمر قوافل العاشقين نحو كربلاء لزيارة ضريح سيد الشهداء (ع)، رجال وشيوخ ونساء وأطفال، كلهم يحملون ذاك الفكر الحسيني الناضج، الذي يحمل الألفة والمحبة بين جميع المسلمين بجميع مذاهبهم وعتقداتهم، يوم الأربعين هو رمز لوحدة المسلمين ووحدة الصف والمقاومة لتحرير القدس والأقصى وكل المقدسات الإسلامية من الصهاينة والاستعمار، مسيرة عظيمة تجمع القيم الأخلاقية والإنسانية وتبعث رسالة عظيمة إلى الأجيال القادمة لمواجهة الفتنة وكل المؤامرات.
اليوم نشهد مسيرة نحو كربلاء، تضم زائري مرقد الامام الحسين وأبنائه وأصحابه، وهي تضم جماهير تمثل قوميات ومذاهب وجنسيات وشرائح اجتماعية متعددة يأتون من شتى بقاع العالم كل عام لإحياء اليوم الأربعين لاستشهاد الامام الحسين في صحراء كربلاء.
الزائرون اليوم يتخذون موقفاً مشابهاً لإخوانهم في الإيمان قبل حوالي اربعة عشر قرناً، بأننا نجتمع لنيل الحرية والسعادة والكرامة والمساواة والعدل من منهج الامام الحسين، ومن بطولاته وتضحياته، فالإنسان هو نفسه يبقى كما هو من أول الخليقة وحتى قيام الساعة، بنفس الخصال والطباع والغرائز والنوازع، كما أن قيم الحق والسُنن (القوانين) الإلهية تبقى حيّة لا تموت ولا تتغير، مثل؛ العدل، والحرية، والفضيلة، والأمانة، والصدق، وفي مقابلها؛ الغدر، والكذب، والبغي، والظلم، وأن انتهاج هذه الاساليب تؤدي بصاحبها –أو اصحابها- الى الدمار والشقاء، وليس السعادة والانتصار والتفوق، لأن {العاقبة للمتقين}، وليس لغيرهم.
ولعل هذا يفسّر تخلّي الملايين عن أعمالهم، وأموالهم، ومشاكلهم المعقّدة في العصر الحاضر، ثم تجشمهم عناء المسير للوصول الى كربلاء ومرقد الامام الحسين، من اجل ملامسة تلك القيم السامية، ثم التزوّد بها لتكون مفاتيح حلول لازمات نفسية واجتماعية وفكرية تشتدّ هذه الايام بشكل غريب، فقد تيقنوا بأن كل البدائل أثبتت فشلها في ايجاد حلول حقيقية ناجعة سوى الحل الكامن في كربلاء الحسين.
إن مشكلة الحرية –مثلاً- يعاني منها العربي وغير العربي، وغير المسلم، والفقير والغني، والعالم والجاهل، فما هو تعريفها بالأساس في هذا الزمن؟ وما هي مصاديقها؟ وكيف يكون الانسان حراً في حياته؟ بل كيف يكون المجتمع والأمة حرة وليست تابعة للغير؟
نعم؛ الاربعين الحسيني يجمعنا على ما نشره الامام السجاد والعقيلة زينب من أهداف النهضة الحسينية، كما تجمعنا عاشوراء على التضحية، والتحدي، والصمود، والإباء، وهي نعمة عظيمة لأبناء الأمة بأن يستثمروا هذا الاجتماع والاعتصام المليوني الهائل لتشكيل قوة مستدامة على طول ايام السنة لمعالجة ما نعانيه من أزمات في الميادين كافة.