دخلت فرنسا في صمتٍ انتخابيٍّ، اليوم السبت، عشية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي تخيّم عليها الأزمات الدولية وترقّب منافسةٍ جديدةٍ تبدو نتيجتها غيرَ محسومةٍ، بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
ومنذ منتصف ليل الجمعة، الموعد الرسمي لانتهاء حملة الدورة الأولى، دخلت البلاد مرحلةَ الصمت الانتخابي، ولم يعد يحق للمرشحين الـ12 التحدث أو تنظيم تجمعات.
ومع ذلك، يمكن للعديد منهم المشاركة في “المسيرات من أجل المستقبل”، التي أُعلن عنها في عدة مدن فرنسية، بمبادرةٍ من منظمات يسارية.
وقد دُعِي نحو 48,7 مليونَ ناخبٍ إلى صناديق الاقتراع، يوم غد الأحد، اعتباراً من الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش، لاختيار مرشحَين نهائيَين سيتواجهان في الجولة الثانية، التي ستُقام في 24 نيسان/أبريل الجاري.
ستُكشف المؤشرات الأولى للنتائج في الساعة 6 مساءً بتوقيت غرينتش، بعد إغلاقِ آخرِ مراكز الاقتراع، علماً أنَّ الناخبين في “أقاليم ما وراء البحار” تمَّت دعوتهم إلى صناديق الاقتراع منذ يوم السبت.
وتُفيد كلُّ استطلاعات الرأي أنَّ الرئيس إيمانويل ماكرون، ومرشّحة اليمين المتطرف مارين لوبان، اللذين سبق أن تواجها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في العام 2017، هما الأوفر حظّاً للتأهل مجدَّداً إلى الجولة الثانية، لكنَّها تُشير إلى تقلّص الفارق بينهما أكثر فأكثر.
ولا تستبعد الاستطلاعات، مع الأخذ في الاعتبار هامش الخطأ، فوز لوبان الذي سيمثّل سابقةً مزدوجةً في ظل الجمهورية الفرنسية الخامسة، التي لم يسبق أن حكمتها امرأةٌ أو سياسيٌّ من اليمين المتطرف.
لكنَّ الدورة الأولى قد تحمل مفاجآتٍ، خصوصاً بسبب العدد الكبير جداً من الناخبين الذين ما زالوا متردِّدين، بالإضافة إلى عامل الامتناع الهائل عن التصويت.
ويؤكّد الخبير السياسي، باسكال بيرينو، أنَّ “هذا الاقتراع هو الأول الذي تبلغ فيه نسبة الأشخاص المتردِّدين، أو الذين غيّروا موقفهم، هذا المستوى، مع 50% تقريباً”.
من جانبه، يأمل مرشّح اليسار الراديكالي، جان لوك ميلانشون، الذي تضعه استطلاعات الرأي في المركز الثالث خلف لوبان، في إحداثِ مفاجأةٍ بالتأهل إلى الدورة الثانية. ويدعو منذ عدة أسابيع ناخبي اليسار المنقسم والممثل بعدة مرشحين، للتصويت لصالحه.
المرشحون الآخرون من اليسار هم المدافع عن البيئة يانيك جادو، والاشتراكية آن هيدالغو، والشيوعي فابيان روسيل، لكنَّ جزءاً من ناخبيهم قد تغريهم فكرة “التصويت المفيد” لصالح ميلانشون.
وخلف ميلانشون، تضع استطلاعات الرأي مرشحة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، ومرشح اليمين المتطرف الآخر إريك زمور.
“جبهة جمهورية”؟
في مواجهة احتمال فوز اليمين المتطرف بالرئاسة، كشف بعض المرشحين نيّات تصويتهم في الجولة الثانية: فابيان روسيل سيدعو للتصويت ضد لوبان، فيما رفضت فاليري بيكريس التصريح لمن ستصوت في الدورة الثانية. لكن في أوساط ماكرون، هناك إقرار بأن فكرة “الجبهة الجمهورية”، التي تشكلت لدعمه في الجولة الثانية عام 2017، لم تَعُد أمراً مُسلّماً.
ويقول مستشار لماكرون إنَّ “مجرد قول (لن يمروا) لن ينجح هذه المرة”.
وبعد هزيمتها عام 2017، وشعورها بالارتباك لبعض الوقت إثر ظهور إريك زمور في المشهد اليميني المتطرف، تجاوزت مارين لوبان تدريجياً تعثّرها، واستعادت توازنها إلى حدِّ أنَّها قدّمت نفسها خلال آخرِ تجمّعٍ نظّمته أمس الجمعة بأنَّها تمثّل “فرنسا الهادئة”، في مواجهة إيمانويل ماكرون “العدواني” و”المضطرب”.
كما ركّزت حملة لوبن على القوة الشرائية، الشاغل الرئيسي للشعب الفرنسي القلق بشأن التضخم وارتفاع أسعار الطاقة.
وفي مواجهتها، بدأ ماكرون حملته بشكلٍ متأخّرٍ جدّاً، إذ حاول تقديم نفسه في صورةِ زعيمٍ تشغله الأزمات الصحية والدولية، وهو أمرٌ خدمه في البداية، قبل أن يجعله يبدو منفصلاً عن الاهتمامات اليومية للفرنسيين.
وإدراكاً منه للخطر، دعا الرئيس المنتهية ولايته منذ بداية نيسان/أبريل إلى “التعبئة ضد اليمين المتطرف”، واصفاً إياه بـ”العدو”.