رحل محمد علي الحامي في ظروف غامضة وهو لا يزال شاباً. ولكن حياته القصيرة لم تمنعه من نحت اسمه في تاريخ تونس. فالشاب التونسي الفقير كان رائداً للعمل النقابي في تونس ومؤسس أول تنظيم عمالي في العالم العربي وأفريقيا.
منذ أن ترك مدينته الصغيرة “الحامة”، في جنوب شرق تونس، والتي حمل اسمها، لم يستقر محمد علي الحامي في مكان، فجال شرقاً وغرباً وكوّن شخصيته من مزيج من أفكار وثقافات. وبعيداً عن اشتغاله بالشأن العام، كان قصة نجاح مكتملة الأركان. استطاع في كل المفاصل المهمة من حياته القصيرة تجاوز المعوقات وتحويل الظروف القاسية كالفقر والجهل والاستعمار والنفي إلى محفزات للنجاح.
محمد علي الحامي ولد في 15 أكتوبر 1890 بالحامة (تونس) وتوفي في 10 ماي 1928 بالمملكة العربية السعودية، وهو مؤسس جامعة عموم العملة التونسية التي تعتبر أول منظمة نقابية بتونس، إذ ظهرت عام 1924.
تعرّف محمّدعلي الصغير على القنصل النمسوي بتونس خلال جولة له في السوق فاتخذه خادماً خاصاً لإدارة شؤون منزله، فتعلم منه اللغة الألمانية وكان يسافر معه كل عام إلى النمسا خلال إجازته الصيفية.
كان الحامي متّقد الذّكاء وسريع التعلم فاستفاد كثيرا من عمله مع القنصل النمسوي، حتى أنه تعلم قيادة السيارات سنة 1908 وتصليحها وحصل على شهادة سائق وميكانيكي التي كانت حكراً على الأوروبيين. كذلك التحق بالتعليم الرسمي وأخذ يتابع دورساً ليلية في جامع الزيتونة.
حين غادر القنصل النمسوي تونس، وجد الحامي نفسه بلا عمل، فاستغل تعلمه قيادة السيارات للعمل عند أحد الأعيان. في الفترة نفسها، اندلعت الحرب في طرابلس الغرب بين القوات الإيطالية الغازية والجيش العثماني، وكانت ليبيا يومذاك ولاية عثمانية. فتحت هذه المصادفة أفقاً واسعاً للحامي بعد أن اختاره عدد من التجار والأعيان في تونس لتوصيل المساعدات المالية والطبية للقوات العثمانية بحكم إجادته لقيادة السيارات.
في فبراير 1925، اعتقلت السلطات الفرنسية محمد علي الحامي ورفاقه وقدمتهم للمحاكمة بتهمة التآمر على أمن الدولة. وبعد إيقافهم أكثر من تسعة أشهر، قررت المحكمة الفرنسية، في نوفمبر 1925 نفي الحامي خارج البلاد عشر سنوات. غادر تونس نحو إيطاليا ثم تركيا فمصر فطنجة، ليستقر أخيراً في الحجاز ويعمل في الترجمة وتدريس اللغة الفرنسية قبل تأسيس شركة لنقل المسافرين بالسيارات. وفي شهر مايو 1928 لقي حتفه في حادث سير.
وفي شهر مايو 1928 لقي حتفه في حادث مرور غامض.
تلك هي الرواية الأشهر عن ظروف وفاة الحامي. ولكن للمؤرخ التونسي أحمد خالد رواية ثانية نقلها عن أحمد بن ميلاد. يقول: “سنة 1926 قصد محمد علي طنجة بالمغرب الأقصى عبر جبل طارق بنيّة الالتحاق بالمجاهد عبد الكريم الخطابي في حرب الريف ضد إسبانيا وفرنسا، فقُبض عليه عند وصوله يوم 25 فبراير 1926، وتم ترحيله إلى مرسيليا الفرنسية… فتسلل إلى الباخرة Chambord المبحرة إلى مصر تاركاً جواز سفره في مرسيليا. وتشير وثيقة وفاته المسجلة بمرسيليا بتاريخ 26 مارس 1926 أن محمد علي مات في قناة السويس على متن تلك الباخرة يوم 13 مارس، لكن نفس الوثيقة التي حررها قائد السفينة نسبت محمد علي إلى عدن باليمن، واعتبرته مجهول الهوية، ويفترض أحمد ميلاد أن قائد السفينة تخلص من جثة محمد علي الحامي بإلقائها في القناة حتى لا يعود بها إلى مرسيليا”.