يتولى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس منصب رئيس البرلمان التونسي. ويعد الغنوشي المقرب من الاخوان المسلمين أحد أقوى الشخصيات التي تحكم مسار تونس بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ولد راشد الغنوشي في 22 يونيو/حزيران عام 1941، في قرية الحامة بولاية قابس التونسية، متزوج من تونسية واسمها فاطمة الجويني. من هذا الزواج، رزقا بولدين وأربع بنات.
لقد نشأ في أسرة بسيطة تعمل في الزراعة، وشارك الأسرة العمل في الحقل وبيع المحصول بجانب دراسته. وتسبب ضنك العيش الذي كانت تعيشه الأسرة في انقطاع الغنوشي عن الدراسة لمدة عام، جراء تعثر الأب في توفير المصروفات الدراسية.
عُيّن في بداية حياته معلما في قصر قفصة عام 1963، حيث عمل على جمع المال اللازم لاستكمال دراسته الجامعية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1964، اتجه لدراسة الزراعة في جامعة القاهرة بمصر. لكن سرعان ما حال الظرف السياسي دون استكمال الغنوشي لدراسته، إذ شُطب اسم الطلاب التونسيين من القوائم بعد ثلاثة أشهر، وطلبت السفارة التونسية في مصر منهم مغادرة البلاد بسبب تصاعد التوتر السياسي بين النظام الناصري والرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة، بشأن اغتيال المعارض السياسي صالح بن يوسف، الذي دعمه الرئيس المصري جمال عبدالناصر .
وخلال إقامة الغنوشي في مصر، أُعجب بالتوجه الناصري وتشبع به. وكان قوميا ناصريا، يرى ضرورة توحيد الفكر الناصري مع التيارات القومية الأخرى مثل حزب البعث. وحمل معه هذا الإعجاب إلى سوريا. لكن، بحسب موقع الغنوشي الرسمي، لم يدم هذا الإعجاب سوى عام واحد.
وكانت دمشق هي المحطة أيضا للغنوشي، حيث حصل على شهادة في الفلسفة عام 1968، ثم انتقل في العام نفسه إلى جامعة السوربون في باريس لاستكمال دراساته العليا.
نأى الغنوشي بنفسه عن الانتماء لأي توجه سياسي حتى عودته إلى تونس في أواخر ستينيات القرن العشرين. وكان بورقيبة يعمل آنذاك على دعم التوجه الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي.
وفي عام 1970، انضم الغنوشي إلى جمعية المحافظة على القرآن، بجانب عبدالفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي اصبحت رموزا سياسية في حركة النهضة لاحقا. وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس في المدارس والجامعات والمساجد.
أسس الغنوشي لدى عودته حزب حركة النهضة. وفي 27 ديسمبر 1974 تم إجراء تعديل في الدستور التونسي، وأسندت رئاسة الدولة للحبيب بورقيبه مدى الحياة، ونظرا للتوترات التي شهدتها البلاد في السنوات الأولى، اضطر الحزب الدستوري الحاكم في تونس لإقرار مشروع التعددية السياسية سنة 1981، وقد بادر أعضاء الجماعة الإسلامية التي كان يتزعمها راشد الغنوشي إلى عقد مؤتمر عام، أعلنوا في ختامه عن حل الجماعة الإسلامية، وتأسيس حركة جديدة باسم “حركة الاتجاه الإسلامي”، وانتخب راشد الغنوشي رئيساً لها وعبد الفتاح مورو أميناً عاما، وتم الإعلان رسميا عن هذه الحركة في 06-06-1981، وتقدمت هذه الحركة الجديدة بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على اعتماد رسمي، ولكنها لم تتلق أي جواب من وزارة الداخلية، وقد صدرت وثيقتها التأسيسية في التاريخ نفسه، ولا زالت تعد المرجع الفكري لحركة النهضة.
منذ بداية مسيرته السياسية، تعرض الغنوشي للاعتقال والتعذيب في الثمانينات، وحكم بالإعدام مرتين في التسعينات، مما أجبره على البقاء في المنفى في لندن لمدة 21 سنة بين 1989 و2011، عندما عاد لبلاده إثر نجاح الثورة التونسية.
يعتبر الغنوشي من أهم المفكرين المعاصرين في أوساط الإسلام السياسي، ومجددا في مواضيع الحريات والعلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وله باعٌ طويل في الكتابات الفكرية حيث نشر أكثر من عشرين كتابا. لعب راشد الغنوشي دورا محوريا في فترة الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة، خاصة أثناء الترويكا، ثم في فترة «التوافق» التي جمعته بالرئيس الباجي قائد السبسي.
كان الغنوشي يحلم أنه سيساهم في تعبئة الطاقات وتنويرها نحو بيت المقدس، وله العديد من المقالات تأييداً للجهاد والمقاومة في فلسطين، وتأييداً لحركة المقاومة الإسلامية حماس، “وقد أشاد بأداء حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وبانجازاتها على الأرض، وأكد أن مسارها في المقاومة وحماية القضية الفلسطينية من مصير الضياع، حيث قال بأن منظمة التحرير الفلسطينية قد دشنته بدخولها نفق المفاوضات. وأشار الغنوشي إلى أن “حماس” مثلما أنقذت المشروع الوطني الفلسطيني من الضياع الذي قادته إليه منظمة التحرير الفلسطينية شرعت كذلك للحركة الإسلامية، وقال: “حركة حماس أعطت شرعية للحركة الإسلامية، صحيح أنها بنت للحركة الإسلامية ولكنها بنت مباركة، وهي إضافة نوعية لها، وجعلت من الحركة الإسلامية تؤوي أهم قضية وتحمل أشرف وأنبل راية راية تحرير المسجد الأقصى وفلسطين، وهذا شرف للحركة الإسلامية كلها، لأنه منذ ولدت القضية الفلسطينية كل من حمل رايتها قاد الأمة، فهكذا هو حال جمال عبد الناصر الذي حملها فقاد الأمة ولما سقطت من يده حملها عرفات ولما سقطت من يده انتقلت الراية إلى الأيدي المتوضئة فأصبحت الحركة الإسلامية من خلال حماس تقود الشارع الإسلامي، وهي بذلك أعطت الشرعية للحركة الإسلامية”.
في 7 مارس 2021، قال راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي إنه ضد أي مطلب من شأنه أن يحدث فراغاً في السلطة خاصة في ظل ما تعيشه من مشاكل. واعتبر الغنوشي أن أي مطلب من شأنه إحداث هذا الفراغ يزيد من تعميق المشاكل الموجودة أصلا في الواقع السياسي التونسي، مؤكدا أن “تونس في حاجة إلى تماسك السلطة وليس فكها”.
تصريحات الغنوشي، جاءت على هامش إحياء ذكرى الأربعين لمحرزة العبيدي القيادية لحركة النهضة.
واعتبر البعض تصريحات الغنوشي، رداً على ما تم تناقله عن الرئيس التونسي قيس سعيد، من أنه يريد استقالة هشام المشيشي أولاً وحكومته من أجل بدء حوار حول الأزمة التونسية.
وكان نور الدين الطبطوبي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، قد أكد في تصريحات صحفية أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد يربط انطلاق الحوار الوطني باستقالة المشيشي أولًا. قد رد المشيشي على هذا التصريح بتصريح أكد فيه أنه “لا معنى لربط الحوار الوطني باستقالته”، مشددا على أن الاستقالة خيار “غير مطروح” بالنسبة له. وقد أوضح المشيشي أنه لا يتخلى عن المسؤولية، قائلاً: “لدي مسؤولية تجاه البلاد ومؤسساتها الديمقراطية وتجاه استحقاقات شعبها”.
يشار إلى أن حركة النهضة التونسية كانت قد أكدت في فبراير 2021، ان رئيسها راشد الغنوشي قد أرسل رسالة إلى الرئيس التونسي قيس سعيد تضمنت مبادرة لحل الأزمة الراهنة من خلال اقتراح لقاء ثلاثي يجمع الرؤساء الثلاثة. وقال المتحدث باسم حركة النهضة، فتحي العيادي، في تصريحات صحفية وقتها إن “رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قام رسميا بمراسلة رئيس الجمهورية قيس سعيد لطلب عقد لقاء يجمع الرؤساء الثلاث لإيجاد حل للمأزق السياسي المتعلق بالتحوير الوزاري.