استوحى الكاتب والمخرج البريطاني إيان فليمنج شخصية فيلمه الشهير جيمس بوند، المعروف بـ”الجاسوس 007″، من عمله في جهاز المخابرات البريطانية في فترة من حياته، إلا أن عالم الجاسوسية قد يكون مختلفا بعض الشيء عن مغامرات البطل السينمائي الذي عشقته الجماهير.
منذ نهاية القرن الـ19، أصبحت باريس عاصمة العالم للتجسس، وتؤوي ما بين 10 آلاف و15 ألف عميل سري، معظمهم من أميركا والصين وروسيا وإسرائيل وتركيا، بحسب الفيلم الوثائقي “أسرار الجواسيس” للمخرجين نيكولا بورغوين وأماندين ستيليا.
نساء ورجال يجوبون شوارع العاصمة الفرنسية تلقوا تدريبات خاصة للاندماج في المجتمع بهويات مزيفة للقيام بأنشطة بعيدا عن الأنظار دون أي اتصال مباشر أو رسمي مع السفارة أو ضباط المخابرات. حلة غامضة لباريس قد تجعل من يزورها لا يراها عاصمة للعشاق فقط، بل عاصمة للجواسيس أيضا.
حرب الظل
تأسس جهاز المخابرات الخارجية لروسيا الاتحادية “إس في آر” (SVR)، أو “كيه جي بي” (KGB) سابقا، في عام 1992 وتتجلى مهامه الأساسية في التعامل مع الاستخبارات الأجنبية والمسائل السياسية والاقتصادية والعلمية. أما بالنسبة لوحدة المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع فهي بمثابة ذراع المخابرات العسكرية الروسية “جي آر يو” (GRU).
وفي باريس، يسهل العثور على مكاتب الجهازين، وتحديدا في شارع لو ماريشو في الدائرة 16، حيث يقع مقر السفارة الروسية المبني بخرسانة ذات طابع سوفياتي أصيل وهوائيات على الأسطح تمثل آذان السفارة في كل ركن من أركان العاصمة الفرنسية ومنطقة إيل دو فرانس.
وفي خريف 2020، تم طرد الدبلوماسي الروسي فالنتين فلاديميروفيتش زاخاروف، عضو المخابرات الروسية والذي كان يشغل منصبا في البعثة الاقتصادية للسفارة الروسية بعد أن ضبطته مديرية الأمن العام متلبسا بالتجسس أثناء تسليمه المال إلى مسؤول تنفيذي في شركة تكنولوجية فرنسية كبيرة متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. وردت موسكو آنذاك بطرد دبلوماسي فرنسي من أراضيها.
وبين الأعمال الجاسوسية والتجارية، كان زاخاروف عضوا في مجلس شركة تعدين خاصة مقرها في سان بطرسبرغ وعميلا سريا في المخابرات الروسية، مثل الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان عضوا سابقا في “كيه جي بي”.
وعلى مرمى حجر من برج إيفل وملحق لقصر الإليزيه حيث يقيم معاونو رئيس الجمهورية، افتتحت كاتدرائية الثالوث الأقدس الأرثوذكسية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، التابعة لبطريركية موسكو، وزارها بوتين قبل حوالي 5 سنوات.
باريس.. وكر الجواسيس
توفر هندسة وشوارع باريس أوكارا مختلفة تستقطب خدمات المخابرات، مثل مخارج وممرات مترو باريس الملتوية التي تجعل منها العاصمة الأكثر اكتظاظا بمحطات مترو في العالم.
ولا يعتبر مترو باريس المكان الوحيد للجواسيس لإجراء مقابلاتهم السرية، إذ إن الكنائس -التي يمكن للجميع الدخول إليها بحرية- تعد مسرحا مثاليا لتبادل المعلومات السرية. ففي ديسمبر/كانون الأول 2014، وثّق أعضاء في المديرية العامة للأمن الداخلي عملية تسليم وثائق بين جاسوس روسي ومهندس أسلحة فرنسي في كنيسة سان جيرمان دي بري.
ويقول سيرجي جيرنوف، العميل السابق في كيه جي بي، في الفيلم الوثائقي “أسرار الجواسيس” إذا أردنا اختيار عش للتجسس في باريس فسيكون مقر اليونسكو لأنه يضم على الأقل 182 مندوبا دائما من كل دولة، مثل الأمم المتحدة في نيويورك، وقصر الأمم في جنيف، والأمم المتحدة في فيينا التي يتم استخدامها من قبل الجواسيس كغطاء”.
ويشير جيرنوف إلى أن الحكومة الفرنسية وضعت كاميرات في محيط مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” (UNESCO)، واستأجرت بعض الشقق المطلة على الشارع لتتبع حركة هؤلاء الجواسيس.