موقع المغرب العربي الإخباري :
ثلاثة مشاريع غير عربية تتنافس في منطقة الشرق الأوسط على الهيمنة الإقليمية أقدمها وأشدها بأساً المشروع الصهيوني المدعوم بلا
حدود من الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول غربية أخرى مثل كندا وأستراليا . المشروع الثاني إيراني وقد بدأ مع بداية الثورة الإسلامية في إيران وسقوط حكم الشاه عام 1979. أما ثالث هذه المشاريع فهو المشروع التركي وهو أضعف من المشروعين الآخرين بفضل محددات معينة كما سنرى لاحقاً في هذا المقال .
يتمحور النزاع بين هذه المشاريع الثلاثة حول قوة الردع التي يمتلكها كل مشروع ويسعى إلى تدعيمها وسرمدتها لتبقى الدولة قوية ومهابة ومتماسكة أمام أعدائها الحاليين والمحتملين في المنطقة .
المشروع الصهيوني
عملت الحركة الصهيونية منذ إقامة دولة إسرائيل عام 1948على أنقاض فلسطين ، بعد أن هجرت معظم سكانها قسراً وارتكبت ضدهم مذابح فظيعة وأبقت ما تبقى منهم تحت الحكم العسكري لمدة عشر سنوات ، عملت بفضل نفوذها لدى واشنطن والدول الأوروبية على تسليح الدولة العبرية بأحدث الأسلحة القادرة على ردع “المعتدي” والتي تحقق تفوقاً على مجموع ما لدى الدول العربية مجتمعة من أسلحة وقدرات عسكرية ، إضافة إلى تفوق نوعي في سلاحها الجوي مكنها في مناسبات متعدده من الوصول إلى أهدافها مهما بعدت ، كما أنها بدأت تفكر في وقتٍ مبكر جداً من عمر الدولة بامتلاك سلاحٍ نووي وقامت بذلك فعلاً في نهاية ستينات القرن الماضي تحت سمع وبصر واشنطن ودول العالم الأخرى حتى بلغت ترسانتها النووية أكثر من مائتي رأس نووي ، متحديةً بذلك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وبقيت حتى الآن الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم تنضم إلى المعاهدة .
وبذلك وصلت إسرائيل إلى حالة من الاطمئنان بأنها حققت مستوىً عالٍ من الردع وضمنت أنها أكبر قوة في المنطقة وأنها تحظى بدعمٍ غير محدود من الولايات المتحدة ومن الغرب عموماً إلى درجة أن حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في غزة حالياً قد فسرت من قبل واشنطن وحلفائها بأنها دفاعٌ عن النفس . ورغم تعاطف الشعوب العربية والإسلامية والعالمية مع الشعب الفلسطيني في غزة ورغم المذابح التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي يومياً ضد المدنيين العزل إلا أن الدول العربية لم تتمكن حتى الآن من وقف العدوان ، وعجزت جامعة الدول العربية التي تمثل النظام الإقليمي العربي عن فعل شيء ملموس في هذا الصدد . لم يكن هذا التقصير العربي مفاجئاً إذ أنه وصل إلى هذه النتيجة بالتدريج عبر العقود السبعة الماضية بسبب افتقار الساحة العربية إلى نظام أمن جماعي قوي ومتماسك .
المشروع الإيراني
كانت إيران حتى عام 1979 بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي حليفةً للغرب ، بل قاعدةً للاستعمار الغربي الحديث في الشرق الأوسط ، واحتفظت بعلاقات وثيقة جداً مع إسرائيل إلى أن قامت الثورة الإسلامية فانقلبت سياسة إيران الخارجية وأصبحت معادية للولايات المتحدة والغرب عموماً وقطعت علاقاتها مع إسرائيل واستبدلتها بعلاقات حميمة مع منظمة التحرير الفلسطينية ، ثم بدأت بتخصيب اليورانيوم مما أدى إلى إثارة مخاوف إسرائيل والدول الغربية ودول الخليج بأنها تعمل على إنتاج أسلحة نووية بينما هي تصر على أنها تخصب اليورانيوم لأغراض سلمية . كذلك اتهمت طهران بسعيها إلى تصدير الثورة إلى جيرانها فأثارت مخاوف الدول العربية الخليجية ونشبت الحرب التي استنفذت قواها والتي استمرت ثمانية أعوام بينها وبين العراق ، وما زالت حالة العداء مستعرة بين إيران وإسرائيل وما زالت مخاوف دول الخليج من تصدير الثورة وزعزعة استقرار المنطقة قائمة لاسيما وأن إيران شرعت في استخدام أذرعها المتمثلة في محور المقاومة (حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمقاومة في العراق) لمجابهة إسرائيل .
المشروع التركي
كانت تركيا قبل تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في أنقرة حليفةً للغرب وصديقةً مقربة لإسرائيل ، ولكن بدأت علاقاتها مع الدول الأوروبية تتوتر خاصةً بعد محاولاتها الفاشلة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، كما توترت علاقاتها مع تل أبيب على أثر الاعتداءات التي شنتها الأخيرة على قطاع غزة وتفاقم ذلك التوتر حتى وصل أوجه بعد أن شنت تل أبيب حرب الإبادة التي ما زالت قائمة على قطاع غزة .
كذلك توترت علاقات تركيا مع سوريا ومحور المقاومة بما فيها إيران خلال ما كان يدعى الربيع العربي إبتداءً من عام 2011 ، إضافة ألى توتر دائم في العلاقات بين تركيا والعراق بسبب المخاوف التركية من الأكراد في شمال العراق .
لا بد من التنويه هنا بأن محددات قوة الردع التركية تتمثل أولاً في كونها عضواً في حلف الناتو ولا تستطيع تجاوز الخطوط الحمر التي يرسمها الحلف خاصةً أنها مجاورة لروسيا العدو المزمن للحلف . ثانياً لا يمكن لتركيا العمل على إقامة مشروع للتسلح النووي حتى وهي ترى أن إسرائيل قد امتلكت أسلحة نووية وإيران ماضيةً في ذلك . أما المحدد الثالث فهو اختراق المخابرات الأمريكية للجيش التركي الذي كان حامي العلمانية في تركيا ومحاولة الانقلاب عام 2016 شاهدٌ على ذلك ، إضافة طبعاً إلى الضغوط الاقتصادية الابتزازية على تركيا والمساعدات التي تقدمها واشنطن وحلفاؤها للانفصاليين الأكراد .
أين مشروع الأمن القومي العربي ؟
الأمر الأهم والملفت للنظر بل والمخيب لآمال كل عربي هو غياب أي مشروع يحمي الأمن القومي العربي في المنطقة . أما ثالثة الأثافي فهي القناعة التي تولدت لدى بعض الدول العربية بأن حماية نفسها من المشروع الإيراني يمكن أن تتم بالتحالف مع المشروع الصهيوني الغربي وذلك رغم أن عملية طوفان الأقصى قد أثبتت بالدليل القاطع أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها في مواجهة فصائل فلسطينية مقاتلة لا تملك دبابات ولا طائرات ولا جيوش جرارة فكيف ستحمي أي دولةٍ عربية ، هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى فإن الدول العربية بما تمتلكه من إمكانات تؤهلها لتكون الأقوى والأكثر مهابة لو توحدت كلمتها وأقامت مشروعها الخاص بها للأمن القومي العربي ، علماً بأن معاهدة الدفاع العربي المشترك التي عقدت عام 1950 والتي تستند إلى النظرية المعروفة بالأمن الجماعي collective security التي تقضي بأن الاعتداء على أية دولة عربية يعتبر اعتداءً على جميع هذه الدول التي يترتب عليها أن تهب بكل قواها للدفاع عن الدولة المعتدى عليها .
لو افترضنا جدلاً صحة كل ما يقال عن تهديد إيران أو حتى تركيا لأمن واستقرار المنطقة ، ألا يجدر بالأمة العربية أن تمتلك قوةً رادعة تردع أي معتدٍ أثيم وتصد المخاطر عن الدول العربية سواءً كانت هذه المخاطر قادمة من إسرائيل أو من إيران أو من تركيا أو من أي دولة أو تحالف مهما كان . إضافة إلى ذلك فمهما كانت الخلافات الفكرية والأيديولوجية بين الدول العربية فإن الأمن القومي يحتم عليها الاتفاق على الحد الأدنى وهو مصلحة هذه الدول أن تعيش في أمان واستقرار
والله من وراء القصد .
باحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية
انسخ الرابط :
Copied