في تراجع لخطط إدارة الرئيس جو بايدن لاحتواء التهديدات الاستراتيجية من روسيا والصين، وتخفيف الانخراط العسكري في الشرق الأوسط لتحويل الجهد إلى منطقة المحيط الهادئ، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن تشكيل تحالف دولي للتصدّي لعمليات جماعة “أنصار الله” الحوثية اليمنية في البحر الأحمر.
وكان وزير الدفاع الأميركي قد أعلن من البحرين عن إطلاق عملية عسكرية تحت مسمّى “المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات” لحماية التجارة في البحر الأحمر، بمشاركة بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا. وقال أوستن إن التحالف الأمني سيعمل “بهدف ضمان حرية الملاحة لكل البلدان، ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين”.
لكن التهديد الأميركي لا يبدو أنه سيؤدي الى إعادة الاستقرار بسرعة في باب المندب وتحقيق الأهداف الأميركية منه، لأسباب عديدة أبرزها:
عدم تراجع حركة أنصار الله
قال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، “حتى لو نجحت أميركا في تعبئة العالم أجمع، فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقّف إلا إذا توقّفت جرائم الإبادة الجماعية في غزة، والسماح بالغذاء والدواء والوقود للدخول إلى أهلنا المحاصرين مهما كلّفنا ذلك من تضحيات”.
ويعرف أنصار الله كيف يتعاملون مع التهديدات الدولية، إذ إنهم خبروا كيفية التعامل مع التحالف الدولي الذي تمّ تشكيله ضدهم منذ عام 2015، واستطاعوا بالرغم من حجم وقوة الحرب والحصار ضدهم، إصابة أهداف داخل المملكة العربية السعودية عام 2019. أضف إلى ذلك، قدرتهم اليوم على تعطيل الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وتعطيل الملاحة البحرية القادمة إلى “إسرائيل” عبر باب المندب، والذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبرى، إذ يمرّ عبره نحو 10% من التجارة العالمية.
وبالرغم من أن الحوثيين أعلنوا أنهم لن يستهدفوا سوى السفن التي تتوجّه إلى “إسرائيل” أو تلك المملوكة من إسرائيليين، إلا أن العديد من شركات النقل العالمية أعلنت أنها ستوقف مؤقتاً جميع عملياتها عبر البحر الأحمر، ما تسبّب بتحويل بضائع بقيمة أكثر من 80 مليار دولار بعيداً عن البحر الأحمر، وانخفضت الأعمال في ميناء إيلات بنسبة 85%، منذ بدء التهديد اليمني وحتى إعلان أوستن عن تشكيل التحالف الدولي.
عدم قدرة التحالف على فرض الاستقرار التام
لا شكّ أن التحالف البحري الذي تنوي الولايات المتحدة تشكيله، قادر على نشر قوة بحرية كبيرة ومدمّرة في البحر الأحمر، لتأمين الحماية للسفن ضد التهديدات الجوية والصاروخية، لكن المخاطر ستبقى مرتفعة، بسبب استمرار قدرة اليمنيين على إطلاق المسيّرات، والتي يمكن أن تطلق بشكل كبير ما قد يعني قدرة بعضها أو إحداها على اختراق أنظمة الدفاع.
إن استمرار التهديدات سيبقي مرور السفن التجارية محفوفاً بالمخاطر، ما يعني أن أسعار التأمين ستكون باهظة، وستبقي كلفة النقل مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار النفط، وإجبار السفن على تغيير مسارها حول قارة أفريقيا، مما يضيف 14 إلى 15 يوماً في المتوسط للرحلات البحرية.
عدم رغبة الخليجيين بفتح حرب جديدة
بالرغم من رغبة العديد من الدول الغربية الانضمام إلى التحالف، فإن عدم الرغبة السعودية والإمارتية والمصرية بالانضمام إليه (أقلّه علناً) سيجعله أضعف من الناحية السياسية.
الأكيد أن عدم انضمام السعودية والإمارات إلى التحالف يعود إلى أسباب سياسية واقتصادية ومصلحة أمن قومي، إذ إنّ عودة الحرب إلى منطقة الخليج ستؤثّر على خطط السعودية والإمارات بالتحوّل إلى مراكز استثمارية واعدة جاذبة للشركات العالمية الكبرى، كما يؤكد عدم رغبتهما في العودة إلى عدم الاستقرار الإقليمي الذي سيعيد التوتر مع إيران إلى نقطة الصفر، في ظل غضب شعبي عربي لما تقوم به “إسرائيل” في غزة، بدعم واضح من الولايات المتحدة.
هذا الإحجام الخليجي، سيجعل التحالف الدولي أمام خيارين:
ـــ إما حصر العمليات العسكرية في نطاق المياه الدولية، أي الاكتفاء بالردع وردّ الفعل، وهذا لن يحقّق الاستقرار الكافي لعودة الملاحة البحرية في البحر الأحمر إلى ما كانت عليه سابقاً.
ـــ أو التصعيد ضد مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات من اليمن، وهذا سيؤدي الى تصاعد الأعمال الحربية وقد يؤدي إلى حرب، وهذا ما لا يريده الأميركيون والخليجيون في هذه المرحلة، وسيؤدي عملياً إلى تحويل المنطقة إلى منطقة نزاع، وبالتالي تحقيق الهدف من عمليات أنصار الله، أي التسبّب بعدم استقرار ونزاع عسكري في المياه الدولية، وستفضّل معظم شركات الشحن تعليق مرورها في منطقة محفوفة بالمخاطر والحروب.
بالنتيجة، استطاعت “إسرائيل” جرّ الإدارة الأميركية إلى تغيير استراتيجيتها الرامية لتحويل الجهد العسكري من الشرق الأوسط إلى الصين، لتعزيز قوة الحلفاء وردع الصين عن تعزيز نفوذها في منطقة شرق آسيا. وكما يبدو من استطلاعات الرأي ضمن الولايات المتحدة الأميركية فإنّ نتنياهو الغارق في المآزق السياسية والعسكرية سوف يغرق جو بايدن معه ويسقطان سوياً في أي انتخابات قادمة.