سياسة “ميتا” الرقمية المقيدة ضد المحتوى المؤيد للفلسطينيين تكشف عن تنسيقها العميق مع “إسرائيل” لخنق الصوت والسرد الفلسطيني.
ولم تعد “إسرائيل” تكتفي باحتلال أكثر من 78% من الأراضي الفلسطينية وتهجير 700 ألف ساكن فلسطيني أصلي من أراضيهم، لكنها تسعى بشكل ممنهج إلى احتلال الفلسطينيين رقميًا وإسكات روايتهم.
وتبنت الشركة الأم لفيسبوك، ميتا، استراتيجية جديدة في وقت سابق من عام 2016 تتمثل في فرض رقابة صارمة على المحتوى الفلسطيني، حيث يواجه الصحفيون والكتاب والناشطون الاجتماعيون الفلسطينيون إجراءات قمعية غاضبة في الفضاء الرقمي في كل مناسبة يكتبون فيها عن الجرائم الإسرائيلية.
يستخدم الفلسطينيون تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لسرد قصص عن أراضيهم المحتلة وتوثيق وحشية الاحتلال ضدهم، والتي عادة ما تتجاهلها وسائل الإعلام الرئيسية. وبالتالي، فإن إزالة المحتوى الفلسطيني لها تأثير سلبي كبير على قدرة الفلسطينيين على حماية حقوقهم والدفاع عنها.
على غرار نقاط التفتيش العسكرية التابعة للاحتلال الإسرائيلي، تقوم Meta بتضييق الخناق على أي محتوى ضد “إسرائيل” باستخدام مجموعة واسعة من الخوارزميات التي تزيل أو تحظر تلقائيًا أي منشور أو رسومات تسلط الضوء على الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. وتأتي هذه الإجراءات القمعية بعد توقيع اتفاق مع “إسرائيل” لمحاربة المحتوى الفلسطيني وتسهيل انتشار الرواية الإسرائيلية.
وإلى جانب مراقبتها من قبل فرق الاحتلال الإلكترونية بشكل يومي، أطلقت شركة ميتا حملة مكثفة ضد المحتوى الفلسطيني، تم فيها محو وتقييد مئات حسابات الصحفيين الفلسطينيين بعد تغطيتهم للانتهاكات الإسرائيلية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. لاحظ مركز صدى الاجتماعي، وهو منظمة فلسطينية غير حكومية، أنه تم حذف حساباتهم على الفور على الرغم من أن منشوراتهم لم تتضمن أي دعوة مباشرة لخطاب الكراهية أو التحريض.
ويعترف المدير السابق لوحدة السايبر الإسرائيلية، إريك باربينج، بأن هذا العمل تقوم به الحكومة الإسرائيلية، حيث تطلب رسميا من ميتا حذف الكلمات أو العبارات التي تعتبرها “تل أبيب” “مسيئة”.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت العديد من وسائل الإعلام الرئيسية البارزة في الشرق الأوسط قيودًا تعسفية دون سبب واضح، بما في ذلك شبكة الميادين الإعلامية، التي كانت عرضة لمثل هذه القيود بسبب دعمها الطويل للقضية الفلسطينية. وأكدت ديبورا براون، الباحثة في الحقوق الرقمية في هيومن رايتس ووتش، أن ميتا ومنصاتها لا تفعل ما يكفي لدعم حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
ومن المفارقات أن إدارة ميتا لم تقيد مقاطع الفيديو التحريضية الإسرائيلية للقتل ومداهمة القرى الفلسطينية، على الرغم من ادعائها بالشفافية المطلقة كما هو مذكور في إرشاداتها.
“نحن بحاجة إلى ترتيب محرقة للعرب، وإبادتهم، وقتل أطفالهم الذين سيكبرون ويصبحون إرهابيين، وخصي نسائهم، وتعقيم رجالهم، وتفجير منازلهم، وإرسالهم إلى المحارق، وإطلاق النار على رؤوسهم، وإلقاء أبنائهم”. الجثث في الشوارع.”
وبحسب المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، فإن هذه السطور نشرتها مجموعة من المستوطنين الصهاينة على موقع فيسبوك دون تلقي أي إنذار بإزالة محتواها أو تقييده. مثل هذا المنشور لا يدعو إلى التحريض فحسب، بل إلى التعبئة والتنظيم على نطاق واسع لتنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين.
ومع النجاح النسبي الذي حققه الفلسطينيون في إيصال صوتهم المظلوم إلى العالم عبر استخدام منصات التواصل الاجتماعي، كثفت “إسرائيل” جهودها لتطوير تكتيكات تحد من حرية التعبير الفلسطينية. ولاحظ المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي أن طلبات “إسرائيل” المباشرة لشركات التواصل الاجتماعي بحظر المحتوى الفلسطيني، ساهمت في عام 2018 في حذف أكثر من 26 ألف منشور على منصات متعددة. وهذا يعكس التواطؤ المتزايد بين أبرز شركة للتكنولوجيا الفائقة في العالم وآخر احتلال استعماري على وجه الأرض.
وفي حين يُصاب الفلسطينيون على الأرض، فإنهم يُقتلون أيضًا عبر الإنترنت بسبب منعهم من التفاعل مع العالم الخارجي.
“إسرائيل” استخدمت ميتا لتحقيق سياساتها. تم تحسين عدد هائل من الخوارزميات لتتبع المحتوى ضد “إسرائيل” عبر وحدات إلكترونية متخصصة نفذت عمليات مختلفة سرية وعلنية عبر الإنترنت لنزع الشرعية عن جهود المناصرة الفلسطينية وممارسة العديد من حملات التضليل ضد المجتمعات المؤيدة للفلسطينيين لإحداث تحول كبير في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية.
خلال الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2021،شلت غالبية منصات التواصل الاجتماعي حرية التعبير الفلسطينية باستثناء منصة “تيك توك” التي أتاحت للفلسطينيين ممارسة حقهم في التعبير بحرية دون فرض قيود. وبحسب استطلاع حديث أجرته منظمة Business for Social Responsibility، فقد تبين أن القيود الفوقية أضرت بالحقوق الإنسانية للمستخدمين الفلسطينيين من خلال حظر حساباتهم دون أي إنذار مسبق بعد نشر مقاطع فيديو توثق التهجير القسري “الإسرائيلي” لسكان حي الشيخ جراح.
يواجه الفلسطينيون تحديات متزايدة في الفضاء الإلكتروني بسبب التغييرات المستمرة في الخوارزميات الاجتماعية، مما يجبرهم على البحث عن طرق بديلة لتجاوز رقابة ميتا. إنهم يميلون إلى إزالة العبارات وطمس صور الشهداء لتجنب حظرهم.
وقد قامت شركة ميتا ببناء تعاون عميق مع الاحتلال بسبب ازدهار صناعة التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية التي يمكن أن تكون سوقًا غنية لخدمات ميتا. كما أن مكتب الشركة في “تل أبيب” جعل ميتا قريبة من دائرة صنع القرار الإسرائيلي.
تاريخياً، قامت “إسرائيل” باختطاف الفلسطينيين بسبب نشرهم مقالات ضد الانتهاكات الإسرائيلية الفظيعة. والآن، قام الاحتلال الصهيوني بتوسيع نطاق عدوانه بارتكاب مجازر رقمية ضد المحتوى الفلسطيني. وفي ديسمبر من العام الماضي، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي بالتنسيق مع شركات التواصل الاجتماعي مشروع قانون لإزالة أي محتوى ضد “إسرائيل” على جميع المنصات. وستشكل هذه الخطوة تهديدًا خطيرًا للفلسطينيين الذين سيخضعون لمزيد من الرقابة الصارمة.
تعد الحقوق الرقمية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من حقوقهم الحالية والتي يجب حمايتها بشكل أساسي من قبل شركات التواصل الاجتماعي بالتساوي مع جميع الدول في جميع أنحاء العالم.
كفلسطينيين، فإن كل الجهود المبذولة لمحونا من الفضاء الرقمي تعكس مستوى السياسات الإرهابية الممنهجة التي نقاومها في حياتنا الحقيقية. ممارساتنا القانونية لتوثيق التمييز والدعوات لإنهاء الاستعمار الاستيطاني يطلق عليها ميتا ظلماً اسم “التحريض”.
وعلى الرغم من كل القيود، سنستمر في التعبير عن معاناتنا لجعل العالم يستمع إلينا.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.
فيسبوك
فلسطين
وسائل التواصل الاجتماعي
إسرائيل
الاحتلال الإسرائيلي
الرقابة
ميتا