محادثاتٌ رباعية وتحركاتٌ دبلوماسية يمكن وصفها بـ”المكوكية” عُقدت في برلين، أمس الخميس، بين أطراف “صيغة نورماندي” لاحتواء الأزمة الأوكرانية. وتقول برلين إنّ الهدف الجوهري من المحادثات الرباعية بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا هو تطبيق اتفاقيات مينسك في المجال السياسي، وأيضاً في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية والإنسانية.
محادثات برلين تأتي بنتائج سلبية
يُعدّ اجتماع برلين الثاني بعد اجتماع مماثل عُقد في باريس قبل أسبوعين. وعبّرت فرنسا التي ترعى هذه المحادثات مناصفةً مع برلين عن أملها بإحراز تقدمٍ من شأنه أن يسهم في خفض توترات هذه الأزمة المتصاعدة الذي تعبّر عنها الحشود العسكرية على جانبي الحدود بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن المناورات العسكرية، وإرسال التعزيزات من هذا الطرف أو ذاك، أو إطلاق التحذيرات المتبادلة.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز بعد مشاورات أجراها مع قادة دول البلطيق الثلاث في برلين إنّ “على روسيا ألا تقلل من أهمية وحدة الأوروبيين وتضامنهم”، مع استمرار الجهود الدبلوماسية المكثفة لاحتواء الأزمة الأوكرانية.
من جانب روسيا، إنّ محادثات المستشارين السياسيين في صيغة النورماندي في برلين، والتي استمرّت قرابة 9 ساعات، لم تعطِ “نتائج ملموسة مدوّنة في وثائق”. وعن ذلك، يقول نائب مدير مكتب الرئيس الروسي، دميتري كوزاك: “إنّ الأطراف حاولت تنسيق البيان الختامي للمحادثات، انطلاقاً من اجتماعنا الماضي في باريس بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير، لكننا لم نتمكن اليوم من التغلب على الاختلافات”.
بدورها، أكّدت أوكرانيا، على لسان مفاوضها، أنّ المحادثات “لم تحقق تقدماً بشأن القضايا المتنازع عليها”.
ورغم استمرار التحشيد العسكري لـ”الناتو”، وتدخّل الولايات المتحدة الأميركية في هذه الأزمة، من خلال إرسال الأسلحة والجنود إلى شرقي أوروبا، فإنّ روسيا تؤكد أنها لا تريد التدخل في أوكرانيا، وتطالب بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، وذلك تحت مظلة اتفاقية مينسك، فهل ستكون هذه الاتفاقية مفتاحاً لحل أزمة أوكرانيا؟
اتفاقية مينسك أساس حل النزاع
أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد جولته التي أجراها قبل أيام في روسيا وأوكرانيا وألمانيا أنّ السبيل الوحيد لوقف تصعيد الأزمة الأوكرانية هو العودة إلى بنود اتفاقية مينسك، وذلك بحسب موقع أكسيوس الأميركي، وهو ما يؤكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ زمن.
وتعود أهمية اتفاقيتي مينسك الأولى والثانية الموقعة في العامين 2014 و2015 إلى محافظتها على وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا بعد إطاحة الرئيس الأوكراني السابق، وانضمام القرم إلى روسيا، وإعلان دونتيسك ولوغانسك الاستقلال عن أوكرانيا.
ووافقت كييف على منح المنطقتين المستقلتين شرقي البلاد “وضعاً قانونياً خاصاً”، مقابل سحب موسكو قواتها، وإعادة السيطرة على الحدود الأوكرانية.
ووقّعت أوكرانيا وروسيا اتفاقية مينسك الأولى في العام 2014 لإنهاء الحرب في دونباس، برعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وكل من ألمانيا وفرنسا، ضمن ما يسمى “صيغة نورماندي” الرباعية التي تكونت في العام 2014، على هامش الاحتفال الـ70 بيوم إنزال الحلفاء في نورماندي. وقد تم نقاش الاعتراف بدونباس من طرف روسيا في مجلس الدوما.
ونص اتفاق مينسك الأول على وقف إطلاق النار، وإنشاء منطقة عازلة بين القوات، وسحب الأسلحة الثقيلة، والتفاوض لإجراء انتخابات في الإقليم، لكن الاتفاق فشل لعدم وضوح بنوده.
وأدى فشل الاتفاقية الأولى إلى حزمةٍ جديدة من الإجراءات باتت تعرف بـ”اتفاقية مينسك الثانية”، والتي تمّ الاتفاق عليها في 12 شباط/فبراير 2015. وقد نصّت على رفع الحصار الاقتصادي، ومراقبة الحدود من قبل قوات أوكرانيا، كما نصّت على أنّ أوكرانيا لا تستطيع استعادة السيطرة على الحدود مع روسيا في مناطق دونباس إلا بعد حصول هذه المناطق على الحكم الذاتي، وإجراء انتخابات محلية تحت إشراف منظمة الأمن، والتعاون في أوروبا.
ورغم انهيار هذا الاتفاق وفشله في وقف القتال بشكلٍ دائم، فإنه يبقى الأساس لأيّ حلٍ مستقبلي للنزاع، بحسب ما جرى التوافق عليه في اجتماع نورماندي. وحتى اليوم، تتمسك روسيا بالاتفاق كأساسٍ لحل النزاع في أوكرانيا.
اتفاقية مينسك وسبب الفشل
بحسب موقع “أكسيوس” الأميركي، فإنّ سبب فشل وقف إطلاق النار يعود إلى أنّ موسكو وكييف تشترطان تنفيذ الاتفاقيتين بشروطهما، إذ لم تذكر اتفاقيات مينسك بالتفصيل ما ينبغي أن يأتي أولاً: الخطوات السياسية التي تسعى روسيا إلى تحقيقها أو الإجراءات الأمنية في دونباس!
وجدد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، قبل أيام، التأكيد أنّ السلطات الأوكرانية لم تنفذ اتفاقيات مينسك لتسوية النزاع في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ السلطات الأوكرانية تتحدث عن “استحالة تنفيذ اتفاقيات مينسك”، ما يعني أنّها لن تقدم على ذلك.
وتذكر صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أنّ التنفيذ الكامل لاتفاقية مينسك، من وجهة نظر روسيا، من شأنه أن يستبعد فعلياً عضوية “الناتو” لأوكرانيا، ما يفي بأحد مطالب الكرملين الرئيسية في الأزمة الأوسع، ولكن “الناتو” رفض هذا الأمر، مشدداً على “أهمية شراكته” مع كييف.
التوترات والتهديدات بين روسيا والغرب لن تبقى إلى الأبد، ولكن هل يمكن أن تتحول هذه التهديدات إلى حرب أو أنّ الأطراف الإقليمية والفاعلة في الساحة الأوروبية ستؤدي دور الوساطة الفعلية من أجل نزع فتيل هذه الحرب؟