عندما خسر حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أغلبيته المطلقة في البرلمان قبل ستة أشهر، تساءل كثيرون عما قد تعنيه الانتكاسة بالنسبة لزعيم طموح. لكن ما اتضح أن “ماكرون الولاية الجديدة”، وفق صحيفة “بوليتيكو” هو رجل يدور دول العالم، مروجاً لمصطلحه “الحميمية الاستراتيجية” مع قادة العالم، في الوقت الذي يترك فيه السياسة الداخلية لكبير مساعديه ويركز على مجاله المفضل: الدبلوماسية الدولية.
كانت تحركات الفرنسي “الحميمة” السابقة موثقة جيداً: المعانقة العاطفية مع المستشارة اللألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والمصافحة الصاخبة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتواصل الدائم مع أمثال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. الآن في فترة ولايته الثانية، يبدو أن الرئيس الفرنسي يتحرك من جديد حول العالم.
“يبدو أنه في كل مكان، يتابع كل شيء، لكنه في الغالب في مكان آخر”، قال وزير فرنسي ساخراً، لصحيفة “بوليتيكو” دون الكشف عن هويته، معقباً: “لكنه يعمل منذ خمس سنوات حتى الآن، هل يحتاج حقاً إلى متابعة تفاصيل كل مشروع؟ مع العلم أن الضغط الدولي قوي جداً، ولا شيء يسير على ما يرام في العالم”.
قبل تفشي “كوفيد-19″، تميزت ولاية ماكرون الأولى بجدول زمني سريع من الإصلاحات، بما في ذلك تحرير سوق العمل بهدف جعل فرنسا أكثر قدرة على المنافسة. كان الرئيس الفرنسي يأمل في الاستمرار على نفس المنوال العملي خلال فترة ولايته الثانية، مع التركيز على السياسة الصناعية وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية في فرنسا. وفي حين أنه لم يتخل عن هذه الأهداف، إلا أن الفشل في الفوز بأغلبية برلمانية في حزيران/يونيو الماضي أجبره على التباطؤ في جدول الأعمال المحلي.
لطالما كانت السياسة الخارجية في فرنسا من اختصاص الرئيس الحذر، لكن ماكرون يحاول تحويل الضرورة السياسية إلى فرصة، وتفويض الملل والفوضى في السياسة البرلمانية الفرنسية إلى رئيسة وزرائه إليزابيث بورن.
هناك عدد قليل من مجالات الدبلوماسية العالمية التي لم يطرح فيها الرئيس مبادرة فرنسية في الأشهر الأخيرة تحت عناوين متعددة، سواء كانت الأمن الغذائي في أفريقيا أو التعددية في آسيا أو تعزيز مرونة حركة المدنيين في أوكرانيا. وعلى الرغم من بعض الأخطاء في السياسة الخارجية في فترة ولايته الأولى، بما في ذلك دعم خليفة حفتر في الحرب الأهلية الليبية، إلا ان ماكرون أصبح الآن رجل دولة مخضرماً، يستغل بشغف المشهد الأوروبي بلا قيادة للاستحواذ على المسرح الدولي.
إن محور الرئيس الفرنسي للدبلوماسية العالمية في فترة ولايته الثانية الضعيفة في الداخل، يذكّر بالقادة السابقين الذين واجهوا اضطرابات على الجبهة الداخلية. يرى سيريل بريت، الباحث في معهد “جاك ديلور” ان “الرئيس الفرنسي يعاني الآن من متلازمة ولاية كلينتون الثانية، التي تحولت بعد محاولات الإقالة بسبب تحقيق (لوينسكي)، إلى الساحة الدولية، في محاولة لحل القضايا في البلقان والشرق الأوسط والصين”.
كما أثار جنون ماكرون الدبلوماسي تكهنات بأنه يسعى بالفعل للحصول على وظيفة دولية عليا عندما يحين وقت مغادرته لقصر الإليزيه. لا يمكن له وفق دستور بلاده، الترشح لولاية ثالثة، والتكهنات تتصاعد بالفعل في فرنسا حول ما سيفعله الرئيس المفرط النشاط بعد ذلك.
والسؤال الذي يدور في قلب ولاية ماكرون الثانية هو ما إذا كانت محاولاته ليكون كل شيء وفي كل مكان – جنباً إلى جنب مع تفانيه العنيد للأفكار المثيرة للجدل – هي ما سيعرقله في النهاية.
يقول ماكرون إنه يريد أن تكون فرنسا عضوا “مثالياً” في حلف شمال الأطلسي، لكنه لا يزال يريد أيضاً أن تعمل فرنسا كـ “قوة توازن” لا تغلق الباب تماماً أمام روسيا. موقفٌ، قد يساعد فرنسا على بناء شراكات مع دول أكثر حيادية في جميع أنحاء العالم، لكنه لا يفعل شيئاً لرأب الصدع مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الشرقي.
وبالنسبة للرجل الذي يقدم نفسه على أنه بطل المصالح الأوروبية، فهذا مكان غير مريح للتواجد فيه، لكن عندما يتعلق الأمر بـ “العلاقة الحميمة الاستراتيجية”، فمن الممكن أن يكون لديك الكثير من الشركاء، يختم مقال “بوليتيكو”.