تشهد أشهر الجامعات الأميركية مثل كولومبيا وييل وهارفارد ونيويورك، وغيرها من الجامعات ما يمكن أن يوصف بأنه انتفاضة طلابية عارمة احتجاجا على ما تفعله إسرائيل في حربها على قطاع غزة، واستنكارا للمواقف الأميركية التي بدت متماهية مع الرواية الإسرائيلية.
لم يكن هذا الحراك وليد أيام بل كان ذروة الحشد الذي دأب الطلاب الأميركيون، خاصة في الجامعات العريقة على الإسهام فيه بالمظاهرات والوقفات والاحتجاجات اعتراضا على ما يصفه خبراء الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة على يد الجيش الإسرائيلي.
الآن تدوي شعارات مثل “فلسطين حرة” و “لن نستريح ولن نتوقف، أوقفوا الاستثمارات واكشفوا عنها” -ويقصد هنا الاستثمارات بالكيانات والشركات الداعمة لإسرائيل- في قلاع المعرفة الأميركية، وما زال عدد الجامعات المنضم للحركة في تزايد حتى وقت نشر هذا التقرير.
وبحسب البروفيسور ديفيد بالومبو ليو، أستاذ الأدب المقارن في جامعة ستانفورد فإن المزيد من الشباب الأميركيين يرون أن الدفاع عن فلسطين “اختبار أخلاقي حقيقي للعالم”، مثلما كانت تنظر إليه الفيلسوفة والكاتبة والناشطة الحقوقية الأميركية أنجيلا ديفيس.
وتسعى الجزيرة نت عبر هذا التقرير إلى أن تضيء مختلف جوانب هذا الحراك وتستكشف ما خفي فيه، وتستشرف مآلاته، ولكن من المهم الذكر أنه بينما هناك تشابه كبير بين ما يحصل في الجامعات، فإن هناك اختلافات في كل حالة، منها مثلا اختلاف المهلة التي تعطيها الجامعة للطلاب ليخلوا ساحة الجامعة -والتي تتراوح من ساعات إلى يوم أو يومين- ودرجة عنف الشرطة في التعامل مع المتظاهرين.
اكتسحت ساحات الجامعات الأميركية انتفاضات طلابية تندد بالحرب الإسرائيلية على غزة وتنادي بعدة مطالب منها وقف إطلاق النار، ووقف التعاون مع جامعات ومؤسسات تعليمية إسرائيلية، وسحب الجامعات لاستثماراتها من الشركات التي لها علاقات بإسرائيل.
بدأت المظاهرات في 17 أبريل/نيسان في جامعة كولومبيا، حيث نظم تحالف طلابي يضم أكثر من 120 منظمة طلابية وأعضاء هيئة التدريس اعتصاما، ونصبوا خياما على أرض الجامعة، ولحقت كولومبيا الجامعات الأميركية الأخرى تباعاً.
لم يكن التضامن مع غزة فحسب هو ما أجج حركة الاحتجاجات في الجامعات الأميركية، بل كان اعتقال الطلبة في جامعة كولومبيا ومعاقبتهم بعد استدعاء رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق شرطة نيويورك لفض الاعتصامات، بمثابة تيار الهواء الذي غذى ضرام المظاهرات ودفع الكيانات الطلابية للانخراط فيها.
ومن أهم مطالب هذه الاحتجاجات سحب الاستثمارات ووقف التعاون مع الشركات الإسرائيلية خصوصا العاملة في مجالات التسليح، في جامعتي ييل وكورنيل المرموقتين، وفي جامعة كولومبيا دعا الطلاب لبيع أسهم الجامعة في الصناديق والشركات التي يقول الناشطون إنها تستفيد من غزو إسرائيل لغزة، مثل غوغل وإيربنب حسب تقرير لنيويورك تايمز.
يمتد هذا الحراك ليشمل أهم الجامعات الأميركية وأعرقها والتي توصف بأنها معقل للتميز ولنخبة المفكرين والسياسيين الأميركيين، والتي تشمل جامعات رابطة اللبلاب (Ivy league universities) وقد أثار انتشار الحركة المناصرة لغزة حفيظة المنظمات والشخصيات الداعمة لإسرائيل.
يقود الحراك نواد طلابية في الجامعات، والكثير منها نواد يهودية تنادي بالسلام، حيث يشارك بالاعتصامات طلاب من شتى الجنسيات والديانات والأعراق. فقد شارك نادي “الطلاب من أجل العدالة في فلسطين” في الاعتصامات التي أقيمت في جامعة كولومبيا في مانهاتن، وجامعة رايس في هيوستن، وجامعة تكساس في أرلينغتون، وهو ناد طلابي عادة ما يؤسسه طلاب مناصرون لفلسطين في جامعاتهم، ولا يقتصر على الطلبة المسلمين أو العرب، بل الانضمام إليه مفتوح لجميع الطلاب بمختلف أعراقهم وجنسياتهم، وتعكس الصور والمقاطع والتصريحات الطلابية هذا التنوع.
كما شارك العديد من الطلبة اليهود في الاحتجاجات، وفي كولومبيا بالتحديد كان أحد المنظمين، النادي الطلابي “الصوت اليهودي من أجل السلام”.
وقد أبدى النشاط الطلابي في الجامعات الأميركية درجة من التنظيم، فمن الجدير بالملاحظة أن الطلاب المنظمين من رواد جامعات اشتهرت بتحصيلها العلمي وشروط القبول الصعبة والمعايير الرفيعة، وعادة ما تبدأ الاحتجاجات بنصب الطلاب مخيمات في الحرم الجامعي، يصاحبها تصريحات مكتوبة بلغة أكاديمية على مواقع النوادي الطلابية تطالب الجامعة والسياسيين بوقف إطلاق النار ووقف تمويل الشركات المرتبطة بإسرائيل، ورفع شعارات تنادي بالحرية لفلسطين منها “بينما تقرأ هذا النص غزة تنزف” في جامعة كولومبيا، و”المتبرعون والأمناء الصهاينة ابتعدوا عن جامعاتنا” في جامعة نيويورك.
لم تواجه احتجاجات الطلبة الإسرائيليين أو نشاطاتهم الرد نفسه الذي واجهه الطلاب المناصرون لإسرائيل، بل إن الجامعات صبت جل تركيزها على حمايتهم ورعاية مشاعرهم في مجتمعاتها الطلابية، بخلاف الطلبة المناصرين لفلسطين الذين حولهم موقفهم من طلاب يرتادون أرقى الجامعات الأميركية إلى خطر يهدد أمن الجامعة حسب ما يقوله نقاد الحركة.
بل إن تصرف الجامعات من تجريم هذه الاحتجاجات يتوافق مع السردية التي دفعت مجلس النواب الأميركي لمساواة معاداة السامية بمعاداة الصهيونية، ووفقا لهذا المنطق، فإن أي احتجاج أو اعتصام مناهض لإسرائيل يعتبر معاديا للسامية.
وفي تصريح خصص ردا على نتنياهو لكنه يصلح للرد على أعضاء الكونغرس الذين يؤيدون قمع الاحتجاجات، قال المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز “لا يا سيد نتنياهو، القول إن حكومتك قتلت 34 ألفا في 6 أشهر ليس معاداة للسامية ولا مناصرة لحركة حماس، والقول إنك دمرت بنية غزة التحتية ونظامها الصحي و221 ألف مسكن ليس عداء للسامية”.
يصعب التكهن بمصير الاحتجاجات وهل ستنجح السلطات في إخمادها مستغلة اقتراب الامتحانات النهائية؟ أم تتحول المظاهرات الطلابية التي بدأت في أميركا وأشعلتها شفيق بلجوئها للحل الأمني مع الطلاب الجامعيين، إلى حراك جامعي دولي؟، بعد أن شهدنا دخول صروح علمية في أستراليا وفرنسا وإيطاليا على خط الاحتجاجات، الداعية إلى وقف القتل في غزة.
المصدر : الجزيرة