تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الخميس، عن توتر بين الحكومة الإسرائيلي والإدارة الأميركية، على خلفية مقطع فيديو نشره رئيس مجلس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يزعم فيه أنّ واشنطن تعرقل شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل”.
و أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في صفحتها الأولى، أنّ التوتر بين “إسرائيل” والولايات المتحدة “بلغ الذروة”، مشيرةً إلى غضب المسؤولين الأميركيين من فيديو نتنياهو.
وزعم رئيس حكومة الاحتلال في هذا الفيديو أنّ الأميركيين “يعرقلون شحنات أسلحة إلى إسرائيل”، علماً بأنّ وزير الخارجية الأميركي، أكد بعد ذلك، في مؤتمر صحافي، أنّ بلاده ستواصل تقديم الأسلحة إلى الاحتلال بصورة طبيعية كما في السابق، ما عدا شحنة قنابل واحدة تم تعليقها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في البيت الأبيض تأكيده أنّ نتنياهو “يحاول إنقاذ نفسه من أزمة سياسية”، مشدداً على أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، “فعل الكثير من أجله”، ليحصل في النهاية على “بصقة في الوجه”.
إلى جانب ذلك، أكدت مصادر سياسية للصحيفة أنّ نتنياهو “سبّب ضرراً هائلاً”، موضحةً أنّ ثمة عمل على ألا “تظهر هذه الخلافات إلى العلن”.
صدمة وغضب في البيت الأبيض: نتنياهو ناكر للجميل
في السياق نفسه، أكدت صحيفة “هآرتس” أنّ إدارة بايدن “غاضبة من فيديو نتنياهو”، مشيرةً إلى أنّ موظفين أميركيين كباراً يتهمونه بـ”نكران الجميل، ومحاولة التدخل في سياسة قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل”.
ورأى هؤلاء المسؤولون أنّ نتنياهو “يحاول العمل ضدّ بايدن، بينما يقترب الأخير من المرحلة الأخيرة من المعركة الانتخابية”، بحسب ما نقلته عنهم الصحيفة.
وأوردت “هآرتس” أنّ البيت الأبيض ألغى اجتماع حوار استراتيجي، مخطط مسبقاً بين “إسرئيل” والولايات المتحدة، بشأن إيران، والذي كان من المفترض أن يستمر يوماً كاملاً، وذلك رداً منه على تصريحات نتنياهو في الفيديو.
وبدلاً من هذا الاجتماع، اكتفى البيت الأبيض بآخر قصير ومحدود، بين مستشار “الأمن القومي” الإسرائيلي، تساحي هنبغي، ونظيره الأميركي، جيك سوليفان، في خطوة شكّلت “مفاجأةً لإسرائيل”، وفقاً لما ذكرته الصحيفة.
في السياق نفسه، أوردت الصحيفة تصريحاتٍ للناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، أدلت بها أمس، مؤكدةً أنّ “واشنطن لا تملك فكرةً عما يقوله نتنياهو”.
وتقول الإدارة الأميركية أيضاً إنّها، وخلافاً لادّعاء رئيس الحكومة الإسرائيلي، وافقت على سلسلة من شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل” في الأشهر الأخيرة، ما عرّضها لانتقادات من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي.
ولم يكن مضمون الفيديو الأمر الوحيد الذي أغضب الإدارة الأميركية، بل توقيته أيضاً، بحسب “هآرتس”، إذ إنّه جاء بعد أيام على زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى “إسرائيل”، وتزامناً مع محاولات المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكستين، إيجاد حلّ يمنع الحرب الشاملة بين “إسرائيل” وحزب الله في لبنان.
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله: “كان بإمكان نتنياهو أن يقول كل ما يريد قوله لنا إلى بلينكن وهوكستين. لم يكن هناك داعٍ لنشر مثل هذا الفيديو”.
يُضاف إلى ما سبق اعتقاد بعض المسؤولين الأميركيين بأنّ نتنياهو “يحاول التدخل في الانتخابات الرئاسية”، بحسب الصحيفة، التي أشارت إلى أنّ هجوم نتنياهو على واشنطن، وباللغة الإنكليزية، “يذكّر بتصريحاته حول الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012″.
حينها، هاجم نتنياهو الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، واتّهمه الحزب الديمقراطي، الذي ينمي إليه أوباما، بـ”محاولة مساعدة حملة المرشح الجمهوري، ميت رومني”.
وبحسب “هآرتس”، فإنّ الإدارة الأميركية “لا تنوي اتهام نتنياهو صراحةً بمثل هذا الأمر، في الوقت الحالي، بحيث تحاول إيجاد طريقة تنهي فيها الأزمة الحالية”.
فيديو نتنياهو يقوّض جهود منع الحرب مع حزب الله
موقع “أكسيوس” الأميركي، أكد، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أنّ فيديو رئيس الحكومة الإسرائيلي “يقوّض الجهود الأميركية والإسرائيلية لوقف التصعيد مع حزب الله، وتجنّب التدهور إلى حرب شاملة معه”.
ونقل مراسل الموقع، باراك رافيد، عن 3 مسؤولين كبار في إدارة بايدن تعبيرهم عن “القلق من تصرفات نتنياهو”، مؤكدين أنّ هذه التصرفات “تخلق شرخاً علنياً بين الحلفيتين، ما يؤدي إلى زيادة تأكّل ردع إسرائيل في المنطقة، ولاسيما في نظر حزب الله وإيران”.
وفي محادثات مغلقة، ثار غضب مستشاري بايدن وأُصيبوا بصدمة بسبب “غياب امتنان نتنياهو”، بينما رأى العديد من كبار المسؤولين الأميركيين الذين شاهدوا الفيديو أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلي بدا لهم “مثل شخص غير متوازن عقلياً”.
كذلك، نقل “أكسيوس” عن 3 مصادر مطّلعة على اللقاء الذي جمع نتنياهو وهوكستين في كيان الاحتلال تأكيدها أنّ الاجتماع كان “سيئاً للغاية”.
وقالت المصادر إنّ هوكستين والسفير الأميركي لدى الاحتلال، جاك لو، وبدلاً من الحديث عن لبنان، “قضيا معظم الاجتماع في بعث رسالة قوية إلى نتنياهو بشأن الأزمة التي سبّبها بملء يديه”.
وعندما قال هوكستين ولو لنتنياهو إنّ اتهاماته بأنّ الولايات المتحدة تمنع أسلحةً عن “إسرائيل” كاذبة، ادّعى الأخير أنّه “استند في كلامه الفيديو إلى معلومات من وزارة الأمن الإسرائيلية”، بحسب ما نقل الموقع عن مصدر مطّلع على تفاصيل النقاش.
من جهته، رفض مكتب وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، التعليق على مزاعم نتنياهو، قائلاً: “نأسف للتسريبات والتصريحات غير المسؤولة”.
مسؤولون أميركيون: أزمة نتنياهو ستؤثر في الاجتماعات مع إدارة بايدن
العديد من المسؤولين الأميركيين أكدوا أنّ نتنياهو يعمل على “مراكمة نقاط سياسية في إسرائيل”، متوقّعين أن تكون تصريحات نتنياهو “جزءاً من المنافسة مع غالانت”، الذي سيزور واشنطن الأسبوع المقبل، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات من شأنها أن تسمح بالإفراج عن شحنة القنابل التي علّقها بايدن.
وبحسب “أكسيوس”، شدّد موظّف أميركي كبير على أنّ الرئيس الأميركي “لا يحاول خلق شرخ علني مع إسرائيل، بل يفعل العكس”، إلا أنّ “نتنياهو خبير في خلق شرخ علني مع بايدن لاحتياجاته السياسية الداخلية”.
وأوضح مسؤولون أميركيون أنّ أزمة نتنياهو ستلقي بظلالها على الاجتماعات المرتقبة، التي ستجمع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون درمر وهنغبي (اللذين وصلا إلى واشنطن الثلاثاء) بمسؤولين أميركيين كبار، بينهم سوليفان.
ولذلك، لن تشمل اللقاءات المناقشة المتعمقة التي تشتدّ الحاجة إليها في الوقت الحالي، و”لن تسفر عن التنسيق الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الخطوات التالية تجاه لبنان وإيران”، وفقاً لهم.
غانتس: نتنياهو يمسّ بمصالحنا الاستراتيجية مع واشنطن
وبشأن هذا التنسيق، أكد رئيس حزب “معسكر الدولة”، والوزير المستقيل من “كابينت الحرب” الإسرائيلي، بيني غانتس، أنّ التهديدات التي يواجهها الاحتلال من إيران “تلزم إسرائيل بتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة”، متهماً نتنياهو بـ”المسّ بمصالح إسرائيل الاستراتيجية وعلاقاتها مع واشنطن لاعتبارات سياسية”.
ومن المقرر أن يزور وزير الأمن الإسرائيلي واشنطن الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي بوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، وكبار أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وستمضي الزيارة قدماً كما هو مخطط لها، وستكون مسألة شحنات الأسلحة أساسيةً فيها. وتريد الإدارة الأميركية بعث رسالة مفادها أنّ الغضب ينبع مباشرةً من سلوك نتنياهو، ولا ينعكس على غالانت، الذي لم ينضم إلى انتقاد رئيس الحكومة العلني للولايات المتحدة، بحسب “هآرتس”.