زارت وزيرة الاقتصاد والصناعة الصهيونية أورنا باربيفاي المغرب، والتقت عدداً من المسؤولين المغاربة للتوقيع على اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ بين المغرب و”إسرائيل”، في سياق تعزيز الشراكات الاقتصادية بموجب الاتفاق الثلاثي الموقع بين الرباط وواشنطن و”تل أبيب”، كما أفادت وكالة “رويترز” للأنباء.
وبحسب تقريرٍ صادرٍ عن الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي، فإنَّ الشركات الإسرائيلية صدرت بضائع بقيمة تزيد على 26 مليون دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام 2021، وشهد شهر أيلول/سبتمبر الفائت تصدير بضائع بقيمة 10 ملايين دولار، في زيادة بقيمة 16 مليون دولار خلال السنة الجارية، والتي بلغت 9.3 ملايين دولار أميركي تقريباً، في حين بلغت الصادرات المغربية إبان الشهور التسعة الأولى من العام الجاري حوالى 8.6 ملايين دولار أميركي.
يُلاحظ من خلال تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي أنَّ العجز في الميزان التجاري يميل إلى الكيان الصهيوني، ويفوق المغرب بثلاثة أضعاف، وهو ما يبرر أسباب اهتمام الحكومة الإسرائيلية بالمغرب والتوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الحكومة المغربية. كيف ذلك؟
يحتل المغرب مراتب متقدمة كأحد زبائن “إسرائيل” في دول غرب القارة الأفريقية، ويعتبر بالنسبة إلى الكيان الصهيوني سوقاً واعدةً لتصريف المنتجات الإسرائيلية أو تصنيعها فيه وتصديرها إلى الخارج، بحكم الخصائص الجغرافية والمناخية للمغرب، انطلاقاً من موقعه الاستراتيجي المطل على ضفتين مهمتين هما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وهو ما سمح له بتشييد موانئ كبرى عليهما بمواصفات دولية ومناطق حرة تجارية للتصدير، سواء نحو أوروبا وآسيا أو نحو القارة الأميركية وبعض دول أفريقيا الغربية، لكونه مفتاح العبور نحو أفريقيا.
بناء عليه، لا يُستبعد أن تلجأ “إسرائيل” في مرحلة من المراحل إلى إقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية في المغرب، ما يسمح لها بتحقيق عدة أهداف، نذكر منها:
– الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة مقارنة بنظيرتها في الكيان الصهيوني، مستغلةً ارتفاع نسبة البطالة والأزمة الاقتصادية التي يمر بها المغرب كغيره من باقي دول العالم، نتيجة التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا على أداء الاقتصاد المغربي، ما يسهل على “إسرائيل” اختراق المجتمع المغربي، وهو ما تجلّى من خلال بيان وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، التي قالت إنّ المغرب يحظى باهتمام كبير في “إسرائيل” في الميادين الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.
والدليل على ذلك هو زيارة بعض المقاولات الإسرائيلية التي تختصّ بقطاعي النسيج والفلاحة إلى المغرب. وقد أعلنت إحداها، وتدعى “ميهادرين”، وهي متخصصة في زراعة الأفوكادو، أنها أبرمت اتفاق شراكة مع شركةٍ مغربيةٍ، تقوم بموجبه بإنتاج الأفوكادو. وسيتم استئجار 445 هكتاراً لزراعة الأفوكادو، لإنتاج ما يناهز 10 آلاف طن سنوياً من هذه الفاكهة، وهو المحصول الذي سيتم تسويقه بالأساس في أوروبا.
– من شأن الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الموقعة مع المغرب أن تمكن الكيان الصهيوني من الاستفادة من الموانئ والمطارات المغربية، من خلال تصدير منتجاته إلى أوروبا بحكم عامل القرب الجغرافي بين المغرب والأخيرة، وكذلك في اتجاه القارتين الأميركيتين.
أضف إلى ذلك، تميز المغرب بشبكةٍ مهمةٍ من الطرق البرية التي تصل المغرب بالدولِ الأفريقيةِ الواقعةِ في جنوبه، مثل جمهورية مالي وموريتانيا، ما سيمكن “إسرائيل” من ترويج منتجاتها في باقي الدول الأفريقية الواقعة غرب الصحراء انطلاقاً من المغرب.
ويبقى الطموح الكبير بالنسبة إلى الكيان الصهيوني هو الوصول إلى منطقة غرب الصحراء، وجر دولها إلى التطبيع معه، حتى يتسنى له الاستفادة من مواردها الغنية التي تعد محل أطماع الدول الكبرى، وإقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية، نظراً إلى العديد من الفرص التي يوفرها قطاع الاستثمار هناك، وهو ما سيمكنه من مزاحمة الدول الكبرى، كفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة، في سعيه الحثيث لإيجاد موطئ قدم له في دول الساحل والصحراء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الصادرات التي سيقدمها المغرب للكيان الصهيوني، في ظلِّ التفاوت في الأداء الاقتصادي بين الطرفين؟
في هذا الصَّدد، يقول الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي في تصريح لوكالة أنباء “الأناضول”، عن الطرف الأكثر ربحاً من هذه الاتفاقيات: “عملياً، وحين نقوم بالمقارنة، نجد أنفسنا أمام اقتصادين مختلفين تماماً. الاقتصاد الإسرائيلي يمثل كَمِّياً 4 مرات الاقتصاد المغربي”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الناتج الداخلي الإسرائيلي يبلغ حوالى 400 مليار دولار، والناتج الداخلي للمغرب يصل إلى 115 مليار دولار. نصيب الفرد من الناتج الداخلي هو 40-45 ألف دولار في “إسرائيل”، و3000 دولار في المغرب.
وتابع: “إذا نظرنا إلى بنية صادرات إسرائيل وبنية صادرات المغرب، نلاحظ مع الأسف أنَّ إسرائيل لديها ما تصدره إلى المغرب.. ولديها صادرات ذات قيمة مضافة عالية معرفياً وعلمياً، وصادرات ذات قيمة تجارية مهمة”.
وأضاف: “لا أقول إن الإمكانيات منعدمة، لكنها غير متوازنة إلى حد كبير. أسس عدم التوازن في العلاقة تظهر الآن. الأهم أن لا نتوهّم علاقة اقتصادية مربحة للمغرب مع إسرائيل. محكوم علينا من خلال الوقائع أن تكون التجارة مع إسرائيل علاقة ممول وزبون”.
وفي السياق نفسه، قال الدكتور عمر الكتاني، وهو أستاذ في جامعة محمد الخامس في الرباط، في تصريحه للوكالة نفسها: “لا أثق بالربح المتوقع. حين حدث تعاون مغربي إسرائيلي منذ عقود في المجال الفلاحي، استوردنا مرضاً خبيثاً أصاب الطماطم المغربية”.
وقال أيضاً: “ما زالت الطماطم المغربية تعاني من المرض الخبيث الذي صدَّره إلينا الكيان الصهيوني، والذي خسرنا بسببه عدة أسواق في الخارج”.
ووفقاً لدراسة أجراها معهد التصدير الصهيوني، يتوقع أن تصل الصادرات الإسرائيلية إلى المغرب إلى حوالى 250 مليون دولار، وأن تشمل قطاعات الفلاحة ومعالجة المياه والرقمنة والصناعات الذكية وأنظمة الصحة الرقمية والمدن الذكية وغيرها.
ختاماً، واستناداً إلى المعطيات الواردة أعلاه، يتضح أن الكيان الصهيوني يجني ثمار التطبيع الذي انطلق قطاره مع بعض الدول العربية منذ العام 2020 في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وما التطبيع الاقتصادي إلا أحد روافده، وهو لا يصبّ إلا في مصلحته، نتيجة العوامل المذكورة سابقاً؛ ففي أيّ اتفاقية يعقدها العدو الصهيوني يكون فيها الرابح الأكبر، ما ينعكس إيجاباً على اقتصاده ورفاهية شعبه. ولعل الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدها مع الأردن ومصر خير دليل ذلك.
الميادين