شكل توجه الحكومة الجزائرية نحو إحياء الضريبة على الثروة صدمة في أوساط عالم الأعمال في البلاد. إذ تسعى السلطات إلى زيادة الضرائب على الأغنياء بهدف تقليص الضغط على الطبقة الوسطى في مشروع الموازنة العامة لسنة 2022 الذي يناقشه البرلمان، ما أثار غضب رجال الأعمال رغم تسويق الحكومة للخطوة على أنها تهدف لإحداث “العدالة الضريبية”، فيما يراها المكتنزون “تمييزا ضريبيا” يدفعهم للالتفاف على القانون.
وأعادت الحكومة الجزائرية فتح ملف “الضريبة على الثروة” من باب تعديل معدل الاقتطاعات الضريبية في موازنة 2022.
وتقدمت وزارة المالية الجزائرية بمقترح يقضي بتوسيع الوعاء الضريبي، ليشمل الثروات المملوكة والعقارية والمنقولة، وذلك في إطار تبنّ رسمي لمسار تنويع عائدات الخزينة العمومية المتأثرة بتواصل تذبذب عائدات النفط. وتتجه الحكومة لفرض تعديلات على الضريبة على الثروة بدءا من مطلع العام المقبل، وذلك لدعم إيرادات الدولة، وفق تصريحات عدد من المسؤولين.
امتعاض الأثرياء ورجال الأعمال
وأبدى الكثير من رجال الأعمال امتعاضهم الشديد من رفع نسب الضريبة على الأغنياء، تضاف إلى الضرائب الأخرى التي يدفعها هؤلاء ورجال الأعمال بطريقة دورية، ما يزيد من حجم الضغط الضريبي المطبق عليهم.
ويرى رجل الأعمال عبد الله شواط الناشط في مجال صناعة الأدوية أن “الضريبة على الثروة ستنعكس سلباً على رجال الأعمال والمستثمرين، لأنه لا معنى لها من حيث المبدأ ولا تشمل إلا 8 إلى 10 في المائة من أصل المجتمع الجزائري”.
ويضيف المتحدث ذاته لـ “العربي الجديد” قائلاً: “أنا كمستثمر أدفع ما يعادل 100 ألف دولار سنويا كضرائب، منها الضريبة على الأرباح المقدرة بعشرين في المائة، و15 ألف دولار ضريبة على النشاط المهني لصندوق البلدية التي يوجد بها عنوان مصنعي، دون احتساب اقتطاعات الضمان الصحي والاجتماعي للعمال، كل هذا يضاف إلى الضريبة على الممتلكات التي جاءت في موازنة 2015”.
ويتساءل شواط “هل الضريبة ستفرض على الأجانب الذين كونوا ثروة في الجزائر أم سيكون هناك إعفاء لهم كما وقع سابقا بحجة دعم الاستثمار الأجنبي؟”.
وستطبق الضريبة على الثروة حسب مشروع موازنة 2022، على الممتلكات بقيمة تتراوح من 800 دولار إلى 5000 دولار. إذ ستخضع الممتلكات التي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار لضريبة قدرها 800 دولار، في حين تخضع الممتلكات بقيمة 700 ألف دولار إلى ضريبة 5000 دولار، بينما تخضع الممتلكات المنقولة وغير المنقولة ذات القيمة المتراوحة في هذا النطاق إلى ضريبة بمبالغ تفوق 800 دولار.
معضلة العدالة الضريبية
وأعاد عجز الحكومة عن تحصيل الضريبة على الثروة في السابق، فتح ملف “العدالة الضريبية” في الجزائر، خاصة أن الحكومة تقتطع الضريبة على الدخل العام مباشرة من رواتب العمال مهما كان حجمها، في وقت يبلغ التهرب الضريبي التراكمي للتجار والصناعيين قرابة 90 مليار دولار، حسب أرقام رسمية.
ويكشف رئيس النقابة المستقلة لأعوان الضرائب، عبد الوهاب خالفة لـ “العربي الجديد” أن “تحصيل الضريبة على الثروة منذ إقرارها مطلع 2020، لم يبلغ 5 بالمئة أو أقل، ولا يتعدى ما تم تحصيله بضعة ملايين من الدنانير”.
وفي السياق يقول نايت عبد العزيز محمد رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل (أكبر تكتل لرجال الأعمال في الجزائر) إن “رجال الأعمال هم مستثمرون أيضا، فوجئنا بهذه الخطوة الحكومية، كنا ننتظر إجراءات تحفيزية من طرف الحكومة حتى نخرج معا بالاقتصاد الجزائري من غرغة الإنعاش بسبب الجائحة الصحية، وتراجع الإنفاق الحكومي الذي يحرك الاقتصاد الجزائري”.
ويتابع أن “الكثير بل كل رجال الأعمال تضرروا من الجائحة الصحية، الآن وعوض أن تمد الحكومة يدها لمساعدتهم، تقرر مدها لجيوب المستثمرين، حتى يدفعوا الفاتورة مرتين، مرة على أنهم من طبقة الأغنياء، ومرة ثانية على أنهم ملاك شركات ومصانع خاضعون للضرائب”.
ويضيف نفس المتحدث لـ “العربي الجديد”: “نحن كممثلين لأرباب العمل تحدثنا مع لجنة المالية في البرلمان بصفتها صاحبة الكلمة الأخيرة في تعديل مشروع قانون الموازنة العامة، واقترحنا أن تقوم الحكومة بعملية الغربلة، يتم بموجبها التفريق بين الأثرياء ورجال الأعمال، ليس كل غني رجل أعمال، هناك من لديه ثروة ولا يستثمرها في قطاع إنتاجي، بحيث ينشط في مجال العقار مثلا ولا يخلق مناصب شغل”.
ويتابع: “نطالب أن يعفى رجال الأعمال الناشطون في قطاعات إنتاجية وصناعية وحتى السياحة والزراعة من دفع الضريبة على الثروة، كونهم يخلقون الثروة ومناصب الشغل ويقدمون قيمة مضافة في الاقتصاد، وإلا ستنعكس هذه الضريبة سلبا على الاقتصاد، وستكون سبباً يفاقم التهرب الضريبي”. وفي تعليق على الشروط التي وضعتها الحكومة لتطبيق الضريبة على الثروة، يقول رجل الأعمال محمود زبار، عضو الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل لـ”العربي الجديد” إن هذا الإجراء سيجعل الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال ينفرون إلى السوق الموازية حفاظا على سرية ممتلكاتهم، كما ستشجع هذه الضريبة ظاهرة التعامل بالأموال نقدا خارج المجال المصرفي، والأهم والأخطر من ذلك ستشجع التصريح الكاذب بالممتلكات ورقم الأعمال.
ويقول زبار، إن “الكونفدرالية تتحفظ على الضريبة على الثروة التي لن تفرق بين الأثرياء الذين كونوا ثروتهم بطرق ملتوية، وبين الأثرياء أصحاب الاستثمارات والمصانع الذين يجب دعمهم عوض الضغط عليهم”.
شكوك حول التنفيذ
ورغم أنه لا توجد إحصاءات دقيقة تفيد بعدد الأغنياء أو المليارديرات في الجزائر، إلا أن الحكومة الجزائرية تبدو عازمة على خوض هذه التجربة بكل تحدياتها كما هي مطبقة في كثير من البلدان المتقدمة، وذلك تحت ضغط شح الموارد المالية.
ومنذ الإعلان عن توجه الحكومة نحو مراجعة الضريبة على الثروة، بعد سنة من إقرارها بدأت التساؤلات وحتى الشكوك ترتفع حول نجاعة الآليات التي ستقرها الحكومة لتحديد المعنيين بدفع هذه الضريبة، في بلادٍ بلغ حجم التهرب الضريبي مستويات قياسية.
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين علي أنه “من الصعب تحديد من تنطبق عليه صفة الغني، ومن ثم من الصعب تحديد حجم الثروات الخاضعة لهذه الضريبة، خاصة مع تنوعها بين أموال سائلة مكتنزة في أغلب الأحيان خارج البنوك وعقارات وأسهم في شركات”.
ويضيف نفس المتحدث لـ”العربي الجديد” أن “تعديل الضريبة بعد سنة من إقرارها، وفي ظل فشلها، يتطلب خفضها وليس رفعها، ويمكن أن يرفضها البرلمان الجزائري الذي يتميز يوجود عدد كبير من رجال الأعمال، وفي حال تمريرها يبقى تنفيذها صعبا جدا، وبالتالي المشكل يبقى مطروحا”.
من جانبه، يتخوف الخبير الاقتصادي وعضو مجلس المحاسبة عبد الرحمان مبتول من أن تكون الضريبة على الثروة سبب هروب رؤوس الأموال نحو دول الجوار. ويضيف الخبير الجزائري أن “فرنسا عندما طبقت الضريبة على الثروة هرب الأثرياء نحو بلجيكا ولوكسمبورغ لأن الضغط الضريبي منخفض. ويمكن أن نعيش في الجزائر نفس السيناريو”.
ويتابع مبتول لـ”العربي الجديد” أن “الأمثل للجزائر هو رفع مستوى التحصيل الضريبي عوض اعتماد توسع ضريبي يضر بمناخ الأعمال، وبالتالي كان الأجدر بالحكومة إعادة بناء المنظومة الضريبية لرفع التحصيل وخلق موارد مالية جديدة، خاصة أن الجزائر لا تزال تعاني من مخلفات كورونا على الاقتصاد، وهنا نرى تناقضا في قرارات الحكومة، مرة تقول إنها تدعم رجال الأعمال ومرة تفاجئهم بضرائب جديدة”.
المصدر العربي الجديد