رسم صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره صورة قاتمة عن الاقتصاد الجزائري، حيث تحتاج التوازنات المالية للدولة سعر نفط بحوالي 160 دولارا للبرميل الواحد من النفط، وهو أمر مستحيل، لاسيما مع تراجع دور البلد في منظمة أوبك بسبب تراجع المنتج وتزايد الطلب المحلي.
وتوقّع الصندوق أن يبلغ إجمالي الدين العام مقابل الناتج المحلي الخام في الجزائر خلال العام الجاري أكثر من 63 في المئة، مقابل أكثر من 53 في المئة خلال العام الماضي، أما إجمالي الدين العمومي الصافي فسيقدر بحوالي 60.5 في المئة هذا العام، بعدما كان أكثر من 50 في المئة في العام الماضي.
كما توقع التقرير مؤشر واردات في حدود 42 مليار دولار، وصادرات تفوق 31 مليار دولار، أي بعجز متوقع للميزان التجاري يفوق العشرة مليارات دولار، أما بالنسبة إلى التضخم فقد توقع صندوق النقد الدولي تسجيل حوالي 5 في المئة خلال العام الجاري، ونحو 6 في المئة خلال العام القادم، فضلا عن عجز في الموازنة يفوق الـ18 في المئة، مقابل أكثر من 12 في المئة خلال العام المنقضي، وبالنسبة إلى عجز الموازنة خارج النفط فقد قدرها بأكثر من 33 في المئة.
ومع ذلك أبدى تقرير صندوق النقد الدولي ارتياحا لما أسماه بـ”هامش حركة إيجابية في ما يتعلق بالمديونية الخارجية التي تظل متواضعة، ويتوقع بلوغها 3.6 في المئة و5.2 في المئة من الناتج عامي 2021 و2022 مقابل 2.3 في المئة في 2020″.
ومنذ سنوات تضاءلت احتياطات الجزائر النفطية وزاد الطلب المحلي مما غذى التوقعات بشأن تحول الجزائر إلى بلد غير نفطي وتوقعات خروجه من منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
الفوارق الاجتماعية كرست سوء توزيع الثروة بفعل انفراد موظفي الحكومة بغالبية فاتورة الأجور
وأسندت بلومبرغ في وقت سابق سبب توقعها خروج الجزائر من نادي الدول المصدرة للنفط إلى تراجع مبيعاتها النفطية في الخارج إلى 290 ألف برميل فقط في اليوم خلال يناير 2021، أي أقل بنسبة 36 في المئة مما كانت عليه في ديسمبر 2020.
كما انخفضت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي الخام والمسال بنحو 30 في المئة في عام 2020، بحسب بلومبرغ التي أشارت إلى أن الجزائر تستهلك المزيد من الغاز على أساس سنوي بينما ينخفض الإنتاج.
وبشأن احتياطي الصرف أشار التقرير إلى نزول متوقع خلال العام الجاري إلى سقف يفوق 38 مليار دولار، على أن يواصل التآكل في العام الموالي إلى نحو 29 مليار دولار.
وكنتيجة لهذه الأزمات المتراكمة أظهرت إحصائيات مختلفة اختلالات كبيرة في الدخل الفردي العام بالجزائر، وهو ما يكشف عن حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد استقرار البلاد، خاصة في الآونة الأخيرة أين تصاعدت وتيرة الاحتجاجات العمالية المطالبة بتحسين الوضع المعيشي للطبقة العمالية، خاصة في ظل الارتفاع الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام سلة العملات الصعبة.
وأجمعت نقابات عمالية وناشطون في سوق العمل على أن قرار الحكومة الجزائرية برفع الحد الأدنى للأجور لا يمكن أن يقدم حلولا لحالة الاحتقان التي تعيشها الساحة الاجتماعية، فرفع السقف إلى مستوى 151 دولارا بعدما كان طيلة الثماني سنوات الماضية في مستوى الـ135 دولارا لا يمكن أن يغطي الاختلالات الكبيرة التي أفرزها انخفاض قيمة الدينار وارتفاع الأسعار ومؤشرات التضخم.
وعاد الحديث في الأوساط النقابية إلى التقديرات اللازمة لضمان العيش الكريم لأرباب الأسر، ففيما كان الاتحاد العام للعمال الجزائريين المقرب من السلطة قد قدر ذلك بنحو 350 دولارا أكدت نقابات مستقلة على أن دخل الأسرة الجزائرية لا يجب أن ينزل إلى ما دون الـ600 دولار، وإلا سقطت في خط الفقر.
ورغم أن إحصائيات مختلفة تتحدث عن مستوى دخول لأرباب الأسر يتراوح بين 300 و400 دولار، إلا أن قطاعات عديدة ما زالت تتخبط في دائرة خط الفقر، خاصة في دوائر الوظيفة العمومية وما يعرف بالأسلاك المشتركة في البلديات والمؤسسات التعليمية، حيث كشفت شهادات لهم عن استنفاد الراتب الزهيد (أقل من 200 دولار)، في الأساسيات المعيشية ( فواتير الكهرباء والماء والبقال والخضار)، وبقاء حوالي 20 دولارا لتدبير شؤون العائلة طيلة الشهر، مما يضع هؤلاء في خانة الفئات الهشة التي تستدعي تكافل المحسنين والمجتمع المدني.
وحسب تقديرات قانون المالية للعام الجاري فإن كتلة الأجور الإجمالية بأكثر من 23 مليار دولار، وهو ما يمثل 59.5 في المئة من ميزانية التسيير الذي توقع ارتفاعه برسم السنة المالية 2021 في ما يخص نفقات الأجور للعمال (المديريات المركزية والخدمات اللامركزية) بما يقدر بنحو 17.30 مليار دولار.
وإذ ذهبت تقديرات هيئات ومواقع متخصصة إلى وضع مستوى الدخل العام في سقف 450 دولارا، مع تسجيل تفاوت بين مختلف القطاعات، إلا أن الفوارق الاجتماعية المتفاقمة في السنوات الأخيرة كرست اختلالات كبيرة في توزيع الثروة على الجزائريين، حيث تشير المعاينات إلى انفراد موظفي الحكومة السامين ومنتسبي شركات عمومية بغالبية فاتورة الأجور، كما هو الشأن بالنسبة إلى مؤسستي سوناطراك النفطية وسونلغاز والمصارف والتأمينات والخطوط الجوية، إذ تقدر رواتب بعض الطيارين بأكثر من 10 آلاف دولار، بينما ينزل الراتب لدى منتسبي قطاع الزراعة والبناء والوظيفة العمومية إلى نحو 200 دولار.
ويرى المختص في علم الاجتماع ناصر جابي أن “اختلالات توزيع الثروة في البلاد خلال السنوات الأخيرة تسير نحو تبديد الطبقة الوسطى، والذهاب إلى طبقة محدودة من الأثرياء، وطبقة عريضة من الفقراء، في انعكاس للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف الحكومات المتعاقبة”.
وتحت ضغط تداعيات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا ما زالت الحكومة تتخبط في إرساء نموذج اقتصادي ناجع يراجع توزيع الثروة على الجزائريين، وإشاعة حد أدنى من العدالة الاجتماعية، حيث تحدث تقرير صادر عن النقابة الوطنية المستقلة لعمال الإدارة عن ضياع مليوني فرصة عمل في السنوات الأخيرة وعن تعرّض أعداد كبيرة من العمالة خارج الأطر الرسمية والمنظمة للاستغلال والابتزاز.
صحيفة العرب