فتح القضاء التونسي عددا من الملفات الشائكة والتي رافقها جدل واسع، حيث تم حظر السفر على عدد من المسؤولين بشبهة فساد مالي وإداري في صفقات استخراج الفوسفات ونقله، بعد توقف الإنتاج في السنوات الأخيرة.
وقررت النيابة العامة في تونس حظر سفر اثنى عشر من المشتبه بهم في شبهات فساد مالي وإداري، في صفقات استخراج الفوسفات ونقله، من بينهم وزير الصناعة الأسبق سليم الفرياني.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الاثنين عن الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي أن النيابة العامة بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي قررت “حظر السفر على اثني عشر مشتبها به في شبهة فساد مالي وإداري، في صفقات استخراج الفوسفات ونقله”.
وأضاف الدالي أن من بين المشتبه بهم وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة سابقاً (في إشارة إلى سليم الفرياني)، ومدير عام سابق لشركة فوسفات قفصة، ومراقب مالية بوزارة المالية، ومديرين بشركة فوسفات قفصة، ووكلاء شركات مناولة خاصة والنائب في البرلمان المجمّد لطفي علي وشقيقه.
وطالب عدد من الجمعيات في بيان مشترك الثلاثاء الرئيس سعيّد، بالسماح للجهاز التنفيذي بتفعيل أكثر من 237 بطاقة جلب أوامر صادرة عن محاكم تونسية ولم تنفذ.
وأكد مستشار الرئيس سعيّد، وليد الحجام أن منع عدد من الأشخاص من السفر هو إجراء إداري واحترازي لأشخاص وردت أسماؤهم في تقرير هيئة مكافحة الفساد.
وأشارت الجمعيات إلى أن الأحكام صدرت ضد فارين من العدالة في علاقة بملفات جرائم مالية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وترى شخصيات حقوقية أن القضاء دخل مرحلة جديدة بعد قرارات سعيد الأخيرة التي من ضمنها تجميد نشاط البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ما يمكن أن يسمح بفتح ملفات كبيرة تتعلق بكبار السياسيين والمسؤولين.
وأفاد أحمد صواب القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أن “القضاة تحرّروا نفسيا منذ فتح ملفات أكبر القضاة في البلاد” (البشير العكرمي والطيب راشد).
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك أطرافا كانت تهيمن على القضاء أهمها القيادي بحركة النهضة نورالدين البحيري الذي تقلد منصب وزير العدل في 2012″، مشيرا إلى أن “فتح الملفات الكبرى مؤشر على بداية تحرر القضاء في تونس”.
وثمّن مراقبون سياسيون سعي الرئيس سعيّد والقضاء التونسي لفتح هذه الملفات، داعين إلى مواصلة العمل بجدية لتحقيق نتائج إيجابية في نهاية المطاف.
وقال مصطفى بن أحمد القيادي بحزب تحيا تونس إن “حظر السفر إجراء احترازي”، واصفا فتح هذا الملف بـ”الخطوة الإيجابية لمحاربة الفساد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيّد أدّى واجبه من خلال هذه المبادرة التي توحي بالتصدي لممارسة الفساد، والآن حان دور القضاء، ونأمل أن تتحقق نتائج إيجابية بعد هذه الخطوة”.
وسبق أن أعلن الرئيس سعيد أن 460 شخصا نهبوا أموالا تونسية، عارضا عليهم تسوية حال إعادتها، مقدّرا حجم الأموال المنهوبة بـ4.8 مليار دولار.
وقال سعيد في كلمة مصورة إنه سيتم العمل على إعادة كل الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد ومواجهة الضغوط المالية على تونس.
وأشار إلى أنه ليست هناك أيّ نية على الإطلاق للتنكيل بأحد أو المساس برجال الأعمال وخاصة الذين يدفعون الضرائب، قائلا “أطالب المتورطين في نهب المال العام بالجنوح إلى الصلح بدلا من مواجهة السجن”.
وفتح القضاء التونسي تحقيقا ضد حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية “عيش تونسي” للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.
وكشف الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي أن القطب اتخذ قرارات في جملة من الملفات تشمل أحزاباً وسياسيين وشخصيات معروفة للاشتباه في تلقيها أموالاً من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.
ونقلا عن وسائل إعلام محلية تولت وحدة أمنية ليلة الثلاثين من يوليو الماضي تنفيذ قرار صدر عن وزير الداخلية المكلف بوضع وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية في تونس البشير العكرمي تحت الإقامة الجبرية.
وأشارت إلى أن القرار نصّ على منع العكرمي من مغادرة مقر إقامته لمدة أربعين يوما قابلة للتجديد، ومنع الاتصال به إلا عبر وسيلة اتصال مرخصة ممن له النظر في تنفيذ قرارات السلطة العامة.
كما دعا الرئيس سعيّد في الفترة الأخيرة مختلف الهياكل الاقتصادية والتجارية إلى التخفيض في أسعار المواد الاستهلاكية، وسط دعوات متصاعدة من المراقبين إلى محاربة الاحتكار والمضاربة، علاوة على مراقبة مسالك التوزيع لمعالجة القدرة الشرائية للمواطنين.
وكان الرئيس قيس سعيد، الذي أقال رئيس الحكومة وجمد البرلمان ضمن إجراءات استثنائية وصفها معارضوه الإسلاميون بأنها انقلاب، قال إنه تجب محاسبة المتورطين في الفساد في قطاع الفوسفات ويجب ألا يفلت أحد من القانون.
وبعد أن كانت تونس من أبرز مصدري الفوسفات في العالم قبل ثورة يناير 2011 التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي، أصبحت تضطر أحيانا لشراء الفوسفات بسبب تعطل الإنتاج وتعطل النقل جراء احتجاجات شبان يطالبون بالشغل. وتكبدت الشركة خسائر بالمليارات من الدولارات.
واتهم الرئيس سعيد نوابا ورجال أعمال نافذين بالتحريض على الاحتجاجات وقطع السكك الحديدية لنقل الفوسفات عبر أسطول شاحناتهم.
ونقلت شركة فوسفات قفصة الحكومية الأسبوع الماضي شحنات فوسفات بالقطار للمرة الأولى خلال عام، بعد توقف إثر الاحتجاجات التي أغلقت السكك الحديدية في دفعة مهمة لصناعة الفوسفات الحيوية بالبلاد.
وبلغ إنتاج تونس من الفوسفات 8.2 مليون طن في عام 2010 لكنه تراجع إلى 3.1 مليون طن العام الماضي.
صحيفة العرب