في منطقة البحيرة، أحد أهم الأحياء التجارية في العاصمة تونس، يخيّم الركود على أغلب المحال التجارية، إذ تبدو الحركة التجارية بطيئة، فيما يلاحظ الزائر زيادة في عدد المتاجر المغلقة، بعد أزمة كورونا التي ضربت التجارة هناك في مقتل بحسب شهادات جمعتها “العربي الجديد” من أصحاب المتاجر والباعة هناك.
تقول منية ع، وهي مسؤولة تجارية في محل متخصص ببيع ماركة عالمية لحقائب نسائية إنّ “الحركة التجارية في المنطقة في حالة “موت إكلينيكي” فجلّ المحال التي ما زالت تقاوم، تدفع رسوم الإيجار والكهرباء ورواتب الباعة بالكاد”، مؤكدة أنّ دورة التقشف أصبحت شاملة في البلاد، بل طاولت الأثرياء أيضاً.
تضيف المسؤولة التجارية أنّها تحاول بكلّ الطرق تنشيط المبيعات، بل باتت تتصل بعملائها عبر الهاتف عارضة عليهم تخفيضات وتسهيلات في الدفع، غير أنّ الإجابة غالباً ما تأتي سلبية بالقول “ليس وقته، ألا ترين الظروف؟”، مشيرة إلى أنّ العزوف عن الشراء يسيطر على المشهد العام. وتؤكد المتحدثة أنّ أغلب محال الماركات العالمية أقفلت بصفة مؤقتة أو نهائية تجنّباً لمراكمة الخسائر لافتة إلى أنّ أكثر من 50 في المائة من الصكوك البنكية التي تسلمتها من عملائها منذ بدء الجائحة لم تستخلص.
تشير بيدها إلى المحال المجاورة المقفلة، مؤكدة أنّ عدداً من أصحاب المحال ومؤجريها يواجهون القضاء بسبب ديونهم وعدم القدرة على خلاص المزودين والقروض.
ويجمع تجار تونسيون على أنّ الركود يطاول كلّ أصناف السلع بما في ذلك الموجهة منها للأثرياء نتيجة صعوبات عامة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين وفقدان الدخول. ومنذ بدء الجائحة الصحية تتصاعد في تونس تصفية الأعمال في محال تجارية وخدماتية تأثرت من الموجة الأولى للإغلاق الشامل وقرارات الإغلاق الجزئي التي اتخذتها السلطات في فترات مختلفة لكبح الفيروس.
وتكشف بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية أنّ عدد المؤسسات التي تواجه صعوبات اقتصادية زاد بنسبة 233 في المائة مقارنة، بسنة، 2019 فيما تطور عدد العمال المتضررين من الإغلاق بمعدل 157 بالمائة.
وفي المقابل، لم تكشف الحكومة عن حجم الأعمال المصفاة في القطاعات التجارية والخدماتية بسبب جائحة كورونا.
لكنّ الخبير المالي ووزير التجارة السابق، محسن حسن، يقول لـ”العربي الجديد” إنّ مشهد الإغلاق التام أو الوقتي للمحال التجارية والخدماتية يؤكد تضرر كلّ فئات المجتمع بما في ذلك الأثرياء، مشيراً إلى أنّ مصالح الجباية تسجّل يومياً عشرات الطلبات لتصفية الأعمال وتعليق تراخيص استغلال محال تجارية وخدماتية.
ووفق حسن فإنّ الأثرياء بدورهم تضررت أعمالهم وأصبحوا أقل استهلاكاً لكلّ المواد الكمالية، فضلاً عن توجيه مداخيلهم نحو الادخار مدفوعين بالخوف من المستقبل وغموض المشهد الاقتصادي والسياسي في البلاد. ويوضح أنّ تقليص الإنفاق شمل كلّ طبقات المجتمع، بما في ذلك أصحاب الدخول المرتفعة والأعمال الحرة الذين تضررت أعمالهم من فترات الإغلاق المتتالية.
يضيف وزير التجارة السابق أنّ ضعف وتباطؤ إجراءات المرافقة التي أقرتها الحكومة السابقة إبان الموجة الأولى من الجائحة في مايو/ أيار 2020 تسببت في تعقيدات كبيرة للمؤسسات الاقتصادية.
ويشير إلى أنّ انخراط القطاع المالي في دعم المؤسسات المتضررة لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب، مطالباً البنك المركزي التونسي بإصدار قرارات واضحة تحثّ البنوك على توفير قروض ميسرة من دون ضمانات للمؤسسات الاقتصادية لحمايتها من الإغلاق والانهيار التام.
وكشفت بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي تسجيل تباطؤ معدل منح القروض في يناير/ كانون الثاني 2021 (على أساس سنوي)، ليقف عند 5.7 بالمائة، مقابل 6.8 بالمائة في ديسمبر/ كانون الأول 2020. وأوضح البنك المركزي التونسي، أنّ هذا الانخفاض يبرز من خلال التباطؤ في القروض الممنوحة للمهنيين التي لم يتجاوز معدل زيادتها 5.3 بالمائة مقابل 7.2 بالمائة سنة 2020، بعد انخفاض القروض قصيرة المدى.
كما بيّنت المعطيات نفسها ارتفاع نسبة الزيادة في القروض للأفراد لتصل إلى 6.7 بالمائة مقابل 5.8 بالمائة في ديسمبر/ كانون الأول 2020، مما يحمل علامة تسارع في القروض الاستهلاكية والسكنية بنسبة 8.9 بالمائة و4.2 بالمائة على التوالي، مقابل 7.6 بالمائة و3.8 بالمائة سنة 2020.
وما زالت تداعيات كورونا اقتصادياً تتوالى مع اتساع دائرة انتشار الفيروس، إذ تتراكم جبال الديون والخسائر على التجّار والمستثمرين، وتتخذ الحكومة والشركات تدابير تقشفية صارمة تلقي بظلالها الثقيلة على الأسواق.