أكد وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي، بجنيف السويسرية، التزام الدولة الجزائرية الثابت بالعمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الجزائر وفي أي مكان في العالم، بما في ذلك لصالح الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية.
وخلال ترأسه للوفد الجزائري المتكون من 28 عضوا من مختلف القطاعات، والمشارك، الجمعة، في أشغال دورة التقييم من قبل النظراء بمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف، قدم طبي التقرير الدوري الشامل الرابع للجزائر الذي قال أنه يهدف إلى “إعطاء صورة صادقة عن الإنجازات التي تحققت منذ تقديم التقرير الثالث في ماي 2017″، مجددا التزام الدولة الجزائرية الثابت بالعمل من أجل “تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في أي مكان في العالم، بما في ذلك لصالح الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الأجنبية من منطلق واجب التضامن مع الضحايا ومن لا صوت لهم أو أولئك الذين يفتقدون مكانا تحت الشمس”.
وتطرق الوزير إلى مختلف الأحداث التي شهدتها الجزائر منذ تقديم تقريرها الثالث، وأبرزها حركة المواطنة الشعبية بتاريخ 22 فيفري 2019 المعروفة بـ”الحراك” الذي قال أنه كان “اختبارا مبدئيا فوق العادة من خلال الطبيعة السلمية لمظاهراته والتعبئة الشديدة لمكوناته وإلهامه الذي تجاوز الخصومات الحزبية والحساسيات الجمعوية وإلى حد كبير الأنانيات الشخصية”.
وأوضح أن الحراك شكل “نقطة انطلاق لوعي جماعي سمح باستعادة الفضاءات العمومية واسترجاع المشهد السياسي للمواطن الجزائري من خلال مواجهة باقتدار العديد من التجاوزات التي طال أمدها آنذاك”، مضيفا أن هذه الهبة كانت “معلما إضافيا على طريق إنجازات الشعب الجزائري الباسل وفرصة متجددة له للتأكيد على تمسكه بالقيم الواردة في إعلان نوفمبر 1954 وبأساسيات الدولة الجزائرية”.
نقل مطالب الحراك إلى مؤسسات الجمهورية بالتغيير التدريجي
وتطرق وزير العدل إلى المشاورات الواسعة التي تم إطلاقها في إطار رؤية حديثة تتمحور حول “نقل محاور الحراك إلى مؤسسات الجمهورية وإحداث تغيير تدريجي من الداخل والحفاظ عل استمرارية الدولة ووحدتها الترابية واستقلالها واستقرارها”.
وتابع أن هذه المشاورات “جسدت نهجا قويما نأى بنفسه عن المغامرة السياسية لفترة انتقالية بدون آجال محددة أو آفاق واضحة المعالم وتفضيل مسار إضفاء الشرعية الدستورية على المؤسسات بتمكين المواطنين من التعبير عن رغباتهم من خلال بدء عملية انتخابية في 12 ديسمبر 2019 أسفرت عن انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية”.
وأضاف أن الرئيس المنتخب قام وفقا لالتزاماته خلال الحملة الانتخابية بـ”فتح ورشات وطنية إصلاحية ضخمة، من ضمنها مشروع الدستور الذي تم رفعه إلى الشعب الذي أقره في استفتاء الفاتح نوفمبر 2020″.
إصلاحات قاعدية لترسيخ الحقوق الأساسية والحريات العامة
وأشار إلى أهم ما تضمنه الدستور من إصلاحات قاعدية “أتاحت ترسيخ الحقوق الأساسية والحريات العامة وتقوية الفصل المتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما عززت استقلالية العدالة وترقية حقوق الإنسان وإشراك المواطن في صنع القرار”.
وفي سياق ذي صلة، شدد طبي على أن الجزائر “تؤمن بالتعددية وتؤيد مبدأ عالمية حقوق الإنسان وترفض أي فرض لنموذج واحد وموحد لتنظيم اجتماعي أو سياسي أو نظرة أحادية لقيم أجنبية لا تعترف بالخصوصيات الفلسفية والحضارية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية للدول”، كما أنها تعتبر أن “احترام الأديان السماوية ورموزها يجب ألا ينتهك بذريعة حرية الرأي والتعبير احتراما لمعتقدات الشعوب”.
ولفت في ذات الصدد، إلى أنه “لا يمكن للديمقراطية استيعاب السلوك الذي ينتهك كرامة الناس، كما لا يمكن أن تستند حرية الرأي والتعبير أو التظاهر على منطق التخريب أو الدعوات إلى التمرد أو حتى الانفصال أو لأغراض ومحاولات أخرى للتحايل على العملية الانتخابية بغية الوصول إلى السلطة خارج القنوات الدستورية”، معتبرا أنه “لا يمكن ترسيخ الديمقراطية إلا في إطار الشفافية اللازمة”.
وأضاف قائلا أن “حرية الرأي والتعبير يجب ألا تكون أداة تخريب أو ناقل لنشر العنف أو خطاب الكراهية بما يؤدي إلى تهديد النسيج الاجتماعي للدول”.
وأكد وزير العدل في هذا الإطار، أنه “لا يوجد في الجزائر ما يسمى بجريمة الرأي والصحافة ولا عقوبة سالبة للحرية بالنسبة للمهنيين الإعلاميين في إطار ممارسة وظائفهم”، منتقدا “الحالات النادرة التي تم الإفراط في استغلالها عمدا من طرف شبكات التواصل الاجتماعي لأفراد تمت مقاضاتهم بناء على واقع القانون العام ولا علاقة لهم بحرية التعبير ولا يتمتعون بوضع صحفي أو لديهم اعتماد وطني لصالح مؤسسة صحفية أجنبية”.
وفيما يتعلق بحرية العبادة والدين، قال الوزير أنها مكفولة من طرف الدستور، وهي “تمارس في إطار القانون ومن دون أي تمييز”، مشددا على أن الدولة “تضمن حمايتها من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي إعمالا لنص المادة 51 من الدستور”.
وأشار إلى أن الأحكام التي تنظم ممارسة عبادة المسلمين وغيرهم من الشرائع الدينية “تتوافق والمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، مبرزا أن “مزاعم حظر أو فرض قيود أو الملاحقة القضائية لأشخاص بذريعة ممارستهم لشعائر دينية، لا أساس لها من الصحة” وأوضح أن هؤلاء الأشخاص “يحاكمون في قضايا تتعلق بالنظام العام”.
الدول المتدخلة تشيد بالإنجازات التي حققتها الجزائر
كما تطرق التقرير الذي عرضه وزير العدل، إلى الإرهاب باعتباره “ظاهرة عابرة للحدود وتهديدا خطيرا للنماذج التنظيمية للمجتمعات البشرية وتهديدا لأمن الدول واستقرار المجتمعات”.
واعتبر بهذا الصدد، أنه “من غير المجدي توقع وجود استجابة موحدة ومعيارية لهذا الشكل من الجريمة”، مشيرا إلى “مساحات الحريات التي توفرها المجتمعات الديمقراطية ويستغلها الإرهاب لنشر وإظهار عدم التسامح وإقصاء الآخر ورفض التعايش والعيش معا بسلام”.
وتابع أن الإرهاب “يطور القدرة على البقاء”، كما أنه “يستخدم في بعض الأحيان واجهة حقوق الإنسان كغطاء عن طريق استغلال الأطر القانونية والسياسية والإعلامية وأحيانا النقابية لاسيما من خلال الاعتماد على الشبكات الاجتماعية وباستغلال أدواتها لوسم التنوع والتميز ضد فئات المجتمع وتغذية دعاية الكراهية ضد المؤسسات والدعوة إلى العصيان المدني والانفصال”.
للإشارة، فإن الغالبية الساحقة من الدول المتدخلة خلال أشغال هذه الدورة، اشادت بالإنجازات التي حققتها الجزائر في مجال حماية حقوق الإنسان والورشات الإصلاحية المفتوحة لترقية هذه الحقوق، كما أشادت بتعاون الجزائر مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان من خلال دعوتها لمقررين خاصين تابعين لمجلس حقوق الإنسان ودعوتها المفتوحة الموجهة للمفوض السامي لحقوق الإنسان لزيارة الجزائر.
الشروق