في إشارة هي الأوضح من مجموعة دولية كبرى حول الأوضاع القائمة في تونس منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، أصدر سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع في تونس بياناً مشتركاً تعمدوا نشره على النطاق الأوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حثوا فيه الرئيس التونسي قيس سعيّد على التسريع في إعادة البلاد إلى نظام دستوري يمكّن البرلمان المنتخب من أداء دوره. كما طالبوا بضرورة تسمية رئيس وزراء جديد يتولى قيادة حكومة مقتدرة لمعالجة مشكلات تونس المتراكمة على أصعدة اقتصادية وصحية.
وكان لافتاً بصفة خاصة تركيز البيان على الالتزام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع المواطنين، واحترام سيادة القانون، بهدف «الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب التونسي حول تحقيق مستوى معيشي أفضل». وفي مخاطبة مباشرة إلى الرئاسة التونسية قال البيان: «كلما أسرع الرئيس قيس سعيّد في تحديد توجه واضح بشأن سبل المضي قدماً بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي، كلما تمكنت تونس من التركيز بشكل أسرع على معالجة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد».
وكان من المشروع اعتبار هذا البيان تدخلاً خارجياً في شؤون تونس السيادية لولا أن مجموعة السبع هذه، التي تتألف كما هو معروف من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، هي في طليعة الدول مانحة المساعدات إلى البلد، وهي صاحبة الامتيازات الأعلى في علاقات تونس الاقتصادية والتجارية والصناعية والسياحية مع العالم، بالإضافة إلى سلطاتها في تسيير قرارات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وبهذا المعنى فإن بيان سفراء مجموعة السبع لا يعبر عن حرص على ديمومة الثورة التونسية والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي أحرزها الشعب التونسي منذ إنهاء استبداد زين العابدين بن علي سنة 2011، بقدر ما يعكس في المقام الأول خشية الدول الصناعية الكبرى من تضرر مصالحها إذا استمرت الحال الراهنة في تونس فتطورت إلى تركيز السلطات كافة في يد الحاكم الفرد الأوحد بما قد ينطوي عليه ذلك من أخطار كبرى تبدأ من مصادرة الحريات ولا تنتهي عند تعطيل الاستثمارات.
ومن نافل القول إن استمرار الرئيس التونسي في إلقاء المحاضرات الدستورية على الوفود الأجنبية الزائرة، كما فعل مؤخراً لدى استقباله وفد الكونغرس الأمريكي، والتلميح إلى مخططات اغتيال ومؤامرات ومتآمرين يعد دائماً بكشف أسمائهم، لا ينطلي على مجموعات دولية تنظر إلى إجراءاته من زوايا واقعية ملموسة ولا ينطلي عليها معسول الفصاحة واللغة الشعبوية. الثابت والجلي هو أن سعيّد، بعد انتهاء المهلة الدستورية التي يزعم الاستناد إليها، أخلف وعده بتسمية رئيس حكومة لأنه ببساطة لن يجد برلماناً يمنحها الثقة بموجب الدستور، وكل ما أوفى به هو إحالة مدنيين أمام محاكم عسكرية ومنع مواطنين من السفر وإغلاق مكاتب إعلامية وإقالة مدير تلفزة وطنية تارة أو مدير أمن جهوي تارة أخرى.
وقد يعقد أنصار سعيّد المزيد من الآمال على وعوده، الأمر الذي لا يلوح أن مجموعة السبع تتحلى به، لأن صيغة المناشدة التي اتخذها بيان السفراء تنطوي أيضاً على ما يشبه إنذاراً بنفاد الصبر.
القدس العربي