يبدو أن قضية الذاكرة ستبقى عقبة كؤود في طريق العلاقات الجزائرية الفرنسية، وإن كانت السلطات الفرنسيّة تنزع برغبة شديدة نحو تجاوز هذا الملف، أملا في بناء علاقات ثنائية وثيقة قائمة على تحمل المسؤوليات التاريخية.
القضية تكمن في أن اليمين الفرنسي المتطرف، لم يترك أي فرصة تمر دون أن يوظف ما حدث خلال الحقبة الاستعمارية، في الإساءة إلى ذاكرة الجزائر والجزائريين، حيث تم تسمية فضاء في مدينة بيربينيون، بجنوب فرنسا باسم أحد مجرمي منظمة الجيش السري الإرهابية ( OAS)، الذي ولغت يداه في دماء الجزائريين وحتى الفرنسيين الذين لم يعارضوا الاستقلال، خلال السنوات الأخيرة للثورة التحريرية.
ويتعلق الأمر بالمدعو، بيير سارجون، الذي أجرم بتصفية نحو 70 ضحية، الذي كان قرار تكريمه بتسمية فضاء في المدينة المذكورة باسمه. القضية تحولت إلى مسألة رأي عام في فرنسا، حيث نظمت السبت تظاهرة في ساحة موليير بالمدينة، تحت عنوان “من أجل تاريخ فرنسي غير مزور”، دعا إليها العديد من السياسيين والحقوقيين، منها رابطة حقوق الإنسان في منطقة البريني الشرقية، وجمعية جوزيت أودان، أرملة المناضل الثوري، موريس أودان، الداعم لاستقلال الجزائر، والذي اغتيل كما هو معلوم من قبل مظليي جيش الاحتلال الفرنسي في العاصمة.
ومن بين المنشورات التي تم رفعها، لافتة حمراء كبيرة كتب عليها “لا لساحة بيير سيرجان! ارفضوا تزوير التاريخ الفرنسي الجزائري! علامتا تعجب للدلالة على الغضب والسخط. لقد تم التصويت على المشروع المطروح للمناقشة من قبل المجلس البلدي في 22 سبتمبر. لا يجب أن تحمل الساحة الجديدة اسم نائب الجبهة الوطنية السابق.
ويعتبر بيير سارجون، من العناصر المتطرفة لمنظمة الجيش السري الإرهابية، الذي عمل مطولا في الجزائر وشارك في قمع الشعب الجزائري الذي قرر الانعتاق من الاحتلال البغيض، غير أنه وبمجرد أن شعر بأن الثورة ماضية في تحقيق أهدافها وعلى رأسها الاستقلال وطرد الجيش الفرنسي، تحول إلى العمل السري ضمن صفوف منظمة الجيش السري الإرهابية ( OAS)، بعدما تيقن من أن السلطات الفرنسية، وعلى رأسها الجنرال شارل دي غول وبعض قيادات الجيش، قرروا التفاوض مكرهين مع قيادة الثورة على الاستقلال.
ومن بين ما نقل عن المجرم المكرّم من قبل رئاسة مدينة بيربينيون، التي يحكمها حزب “التجمع الوطني”، الذي تقوده مارين لوبان، وعثر عليه في دفتر ملاحظاته بتاريخ 14 ماي يقول: “إنه حلم! فمن غير الممكن. لا أصدق عيني أو أذني. المعجزة موجودة، ملموسة، حاضرة، حقيقية. وهكذا، يتم حفظ كل شيء. ستبقى الجزائر فرنسية. ماسو (الجنرال المجرم جاك ماسو) يريدها! سالان (المجرم الجنرال راؤول سالان) يريدها والجيش يريدها. لا شيء سيجعلهم يتراجعون الآن: سيتعين على باريس الاستسلام”.
وجاء في بيان وزع بالمناسبة، أن جرائم منظمة الجيش السري، معروفة للأسف: 71 قتيلاً و 394 جريح في فرنسا ونحو 2200 قتيل وأكثر من 5000 جريح في الأراضي الجزائرية. لقد قامت المنظمة الإرهابية بـ750 هجوم على الأراضي الحضرية، وهي سياسة إرهابية نفذت فيها أكثر من 100 هجمة في الجزائر.
وأضاف البيان: “شارك بيير سيرجان بنشاط في الحروب الاستعمارية في الجزائر وتونس والهند الصينية لمعارضة استقلالهم. لا يمكن للعفو الذي تم الحصول عليه في يونيو 1968 إعادة كتابة التاريخ”. ومضى البيان مؤكدا: “الاستعمار جريمة ضد الإنسانية، وكان بيير سيرجنت عاملاً فاعلاً يستخدم الإرهاب”، منتقدا لويس أليو ومجلسه البلدي إحياء ذكرى هذه الحقائق التي تتماشى مع ما تم ارتكابه في بربينيان في بداية شهر يوليو خلال إحياء ذكرى اتفاقيات إيفيان.
بالنسبة للأشخاص من أصل جزائري، يقول البيان، بالنسبة لأولئك الذين عانوا أثناء تحرير أنفسهم من الاستعمار، والذين يعيشون في مدينتنا، فإننا ندين هذه السياسة المتعلقة بالذاكرة والتي تبقى انتقائية، تحاول أن تنسى جزءًا كبيرًا من الفاعلين في هذه الحرب.