كأحد محاربي الساموراي الذين يمتازون بالثقة، تسعى اليابان إلى تعزيز حضورها داخل حلبة التنافس الاقتصادي والاستثماري في القارة السمراء وأن كان بوتيرة يراها مراقبون بطيئة مقارنة بالصين رغم السمعة الجيدة التي تحظى بها اليابان وشركاتها في أفريقيا. وفي ذلك، تستضيف تونس مؤتمر طوكيو الدولي الثامن للتنمية في أفريقيا المعروف اختصارا بـ “تيكاد” السبت المقبل إذ تعد تونس ثاني دولة أفريقية تستضيف “تيكاد” بعد كينيا عام 2016.
“اليابان لن تبدأ من الصفر”
يعد الحضور الياباني في مجال الاستثمار في أفريقيا ليس بالجديد، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما، كرس ثالث أكبر اقتصاد في العالم الكثير من الجهود في توفير مساعدات اقتصادية للعديد من البلدان الأفريقية وهو الأمر الذي دفع ناصر قلاوون، أستاذ الاقتصاد السياسي وعضو الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الاوسط، إلى القول بأن “اليابان لن تبدأ من الصفر” في أفريقيا.وفي مقابلة معDW عربية، أضاف بأن “اليابان ليست غريبة عن الاستثمار في أفريقيا حيث بدأ مؤتمر تيكاد قبل 29 عاما لكن التحول حصل في عام 2013 بعقد القمة كل ثلاث سنوات بالتناوب بين طوكيو وإحدى دول أفريقيا.”
منافسة الصين؟
ويبدو أن اليابان من خلالها تعزيز استثماراتها في أفريقيا، تضع الصين في الاعتبار خاصة وأن بكين قد زادت في السنوات الأخيرة من نفوذها هناك.
ووفقا لموقع صحيفة “نيكي آسيا” فقد وصل إجمالي حجم الواردات والصادرات، أي حجم التجارة الخارجية اليابانية مع افريقيا عام 2018 إلى قرابة 17 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي الاستثمار الياباني المباشر في إفريقيا 4.8 مليار دولار في عام 2020. بيد أن هذه الأرقام لا تتماشى مع نظيراتها الصينية حيث تعد الصين من أكبر المستثمرين في إفريقيا إذ بلغ إجمالي الاستثمار الصيني في القارة السمراء نحو 43 مليار دولار في نفس السنة وفقا لوسائل إعلام رسمية. وفي ضوء هذه المعيطات، يرى ناصر قلاوون أن اليابان ليس بمقدورها منافسة الصين في أفريقيا، مضيفا “مهما فعلت اليابان وزادت من الاستثمارات في عموم أفريقيا فلن تستطيع في المدى القصير أن تتفوق على الصين”.
شراكة مع أفريقيا
في المقابل، يرى جوناثان بيركشاير ميلر، الزميل البارز في “المعهد الياباني للشؤون الدولية” في طوكيو، أن عدم تنافس اليابان بشكل مباشر مع نقاط قوة الصين في افريقيا خاصة حجم التجارة والاستثمار يحمل في طياته “ميزة نسبية لليابان”. وفي مقابلة معDW عربية، أضاف ميلر “ميزة طوكيو تكمن في توفير بنية تحتية عالية الجودة بما يتماشى مع أولويات مجموعة العشرين، وكذلك تمكين الشركات الأفريقية الصغيرة والمتوسطة من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص”. وأشار إلى أن اليابان على مدى عقود ومن خلال “عملية تيكاد اتخذت خطوات كبيرة في تطوير مساعدتها للقارة من المساعدات التقليدية إلى نموذج شراكة أكثر مع الدول الأفريقية.”
تونس أول بلد عربي أفريقي يحتضن المبادرة
وتحظى قمم “تيكاد” بمشاركة دولية كبيرة من منظمات الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية والبنك الدولي ومفوضية الاتحاد الإفريقي.
وفي نسختها الثامنة بتونس، يشارك قرابة 50 من القادة الأفارقة إلى جانب أكثر من 200 من ممثلي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الأفريقية وأكثر من مئة من رؤساء الوكالات الإقليمية والدولية في القمة يومي 27 و28 أغسطس آب الجاري. وتعتبر تونس اول بلد أفريقي عربي يحتضن القمة، وكان قرار احتضانها منذ ثلاث سنوات ضمن توجه صانعي السياسة الخارجية التونسية لتعزيز السياسة الأفريقية واستفادة تونس من الفرص الواعدة في القارة السمراء. وبعد مفاوضات شاقة مع الجانبين الأفريقي والياباني، تم اختيار تونس في اجتماع بطوكيو سنة 2019 لاحتضان المؤتمر لدعم عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.
بيد أن المؤتمر يعقد والبلاد تجتاز ظروفا انتقالية صعبة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبرأي خميس الجهناوي وزير الخارجية التونسي السابق فان تونس رغم الصعوبات التي تجتازها يمكنها الاستفادة من فرصة احتضان تيكاد الذي يعتبر من أكبر المؤتمرات الدولية التي تحتضنها البلاد منذ استقلالها. لكنه لم يخف خشيته من تأثير “صورة تونس في ظل الظروف الحالية على مستوى المشاركة الأفريقية في المؤتمر وعلى القدرة على استقطاب الشركات العالمية الكبرى للاستثمار في البلاد”.
وفي حوار لـ DW عربية قال الجهناوي الذي يرأس حاليا المجلس التونسي للعلاقات الدولية (مجموعة غير حكومية للتفكير والدراسات) أن تونس رغم عدم جاهزيتها بسبب انتقال سياسي واقتصادي صعب يمكنها أن تسعى لتقديم نفسها “كقاعدة للاستثمار”، وهو أمر يتطلب جهودا كبيرة من الجانبين الحكومي والقطاع الخاص. مشيرا إلى قطاعات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والبنيات التحتية.
ومن جهته يرى قلاوون أن القاعدة الواسعة لمبادرة تيكاد تضفي إطارا دوليا على التعاون الياباني في أفريقيا ، وهو ما يعد نقطة تفوق مقارنة بالقوى المتنافسة الاخرى في أفريقيا فضلا عن سمعة اليابان الجيدة في “تطبيق معايير الشفافية والحوكمة”. ويتفق مع هذا الرأي عبد الحميد الجويني، خبير تونسي في شركة يابانية ومتخصص في استراتيجيات تطوير الأعمال في مجال الطاقة.
وفي حوار مع DW عربية، أضاف الجويني “تمتلك اليابان فرص كبيرة للاستثمار في أفريقيا بالنظر إلى السمعة الطيبة للشركات والمنتجات اليابانية بالإضافة لما توفره القارة الافريقية من فرص هائلة للاستثمار في الطاقات المتجددة والمناجم والتكوين والرقمنة و التكنولوجيا الصناعية، وهي قطاعات متطوّرة جدا في اليابان”.
وحول المجالات التي يمكن لتونس الاستفادة منها من خلال تيكاد 8، يعتقد الجهناوي أن المؤتمر يمكن أن يشكل فرصة أولا لجلب اهتمام اليابان للاستثمار في السوق التونسية وذلك عبر “منحها أفضلية كشريك وصديق تاريخي لتونس”. وثانيا لإيجاد أرضية لتطوير التعاون الثنائي مع الشركاء الأفارقة.
ومن هذا المنطلق يمكن بلورة تصور لتعاون ثلاثي “ياباني أفريقي تونسي” يستنتج وزير الخارجية التونسي السابق، مشيرا إلى قطاعات تتميز فيها اليابان ويمكنها دعمها وتشكل آفاقا واعدة بالنسبة للأفارقة وحققت فيها تونس خبرة ونجاحات، مثل تكنولوجيا المعلومات والتنظيم العائلي والصحة ومد شبكات الكهرباء في المناطق القروية والنائية والتعليم، ولاسيما أن جامعات تونس تستضيف أكثر من سبعة آلاف طالب أفريقي.
شمال أفريقيا.. مخاوف سياسية
ومنذ وقت طويل، سعت اليابان إلى إحداث تغير جذري في علاقاتها مع البلدان الأفريقية بالتحول من تقديم المساعدات إلى إنشاء شراكة أكثر شمولية خاصة في مجال البنية التحتية.
وفي ندوة عقدتها مؤسسات من المجتمع المدني في تونس دعا خبراء صناع القرار وممثلي المؤسسات المالية والاستثمارية وممثلي المجتمع المدني العرب والأفارقة واليابانيين الذين سيلتقون في مؤتمر تيكاد 8 بتونس، إلى “تنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية والتنسيق الأمني والعسكري بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة بعيدا عن الإيديولوجيات والشعارات الفضفاضة”. وحذر المشاركون من مخاطر وتداعيات حرب أوكرانيا كونها عمقت الأزمات الغذائية وضاعفت النفقات العسكرية والأمنية في القارة الأفريقية على حساب الاستثمار في الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
وقالت الخبيرة في الشؤون اليابانية ألفة الدبوسي، في الندوة التي نظمتها المؤسسة العربية الأفريقية للدراسات الإستراتيجية ابن رشد وجمعية “كفاءات تونسية” ومؤسسة “اجيكو” الدولية للاستثمار وشباب من خريجي الجامعات اليابانية والأوروبية والأمريكية، إن التعاون “شمال جنوب” يساهم “في القضاء على الأسباب الاقتصادية والسياسية والثقافية لاستفحال معضلات الهجرة غير النظامية والتطرف والعنف والجريمة المنظمة” .
وفي ذلك، أكد رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا الأسبوع الماضي أن حكومته تخطط لإطلاق دفعة أكبر للنمو في إفريقيا فيما أشارت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن إلى أن القمة “ستؤسس لمحطة جديدة على درب الشراكة الأفريقية – اليابانية”.
بدوره، سلط ميلر، وهو أيضا زميل بارز في معهد “ماكدونالد- لورييه” في كندا، الضوء على أهمية منطقة شمال أفريقيا كمنطقة استثمارية واعدة لليابان ما يصب في صالح بلدان المنطقة. وأضاف “شمال أفريقيا يعد منطقة رئيسية للاستثمار الياباني ويمكن لبلدان المنطقة الاستفادة من الخبرة التكنولوجية اليابانية خاصة في مجال البنية التحتية عالية الجودة. ومع ذلك، لا تزال طوكيو حذرة بعض الشيء من المخاطر السياسية في بعض المناطق بسبب الاضطرابات الأمنية في ليبيا ومناطق أخرى في المغرب العربي ومنطقة الساحل.”
من جانبه، يرى الجويني حاجة دول المنطقة إلى سن تشريعات تدعم الاستثمار و الحوكمة والشفافية من أجل بناء شراكات مستدامة مع اليابان. وقال إن العديد من بلدان المنطقة تتعامل مع المستثمرين الاجانب بصفتهم “مصادر تمويل وليسوا شركاء في برامج تنمية مستدامة تتجاوز تمويل المشاريع و الاقراض إلى نقل الخبرات و تطوير المهارات برؤية واضحة وفق مقاربة رابح رابح”.
com