موقع المغرب العربي الإخباري :
تحتضن الجزائر في الفاتح من نوفمبر أشغال القمة العربية في طبعتها الأربعين، وسط خلافات وأزمات تشهدها الكثير من الدول العربية، بالإضافة لتجاذبات إقليمية ودولية وتضارب عميق في الرؤى والتوجهات الكبرى بين الدول العربية الوازنة في تلك الجامعة العربية التي هي صناعة بريطانية استعمارية كان الهدف منها ولا يزال هو بسط السيطرة على الأنظمة العربية وتوجيهها بما يخدم المصالح الإمبريالية التوسعية للمنظومة الرأسمالية البرغماتية الغربية، وهذا ما أشرت إليه بالتفصيل في أحد مقالاتي التي نشرتها قبل سنوات، وتحدثت فيها بالتفصيل عن الدور الخبيث الذي لعبته هذه الجامعة في التأمر على الدول الوطنية وأنظمتها الجمهورية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، فهذه المنظمة الإقليمية التي من المفروض أن تكون الإطار السّياسي والاقتصادي والتنظيمي لحل مشاكل الدول العربية، بالرغم من أن العديد منها كدول شمال أفريقيا هي دول أمازيغية التركيبة والهوية والجذور والتاريخ، ولكن يشملها المجاز اللفظي للكلمة، باعتبار أن سكانها الذين تعرض الكثير منهم لعملية تعريب قسري من طرف الأنظمة الحاكمة لدولهم، يتحدثون اللغة العربية بجانب لغتهم الأم وهي الأمازيغية.
أصبحت منظمة ميتة سريرياً تتحالف الكثير من دولها سراً وعلانية مع الكيان الصهيوني الغاصب الذي يحتل أراضي عدة دول عربية، بالإضافة لاعتراف هؤلاء بهذا الكيان الوهمي بصفة رسمية دبلوماسية وسياسية، بل هناك من وقع معه اتفاقيات اقتصادية وتجارة وعسكرية وأمنية، فأصبح هذا الكيان حليفاً استراتيجياً للعديد من الدول العربية وبأوامر أمريكية، باعتبار أن معظم هذه الأنظمة كأنظمة دول الخليج العربي هي صناعة بريطانية أمريكية، لذلك لم تجرؤ أية دولة خليجية على رفض الاملاءات الأمريكية بالتطبيع العلني مع تل أبيب، فيما عرف إعلامياً باتفاقيات أبرامز للسّلام واعترافها الضمني بالقدس عاصمة أبدية ودائمة لإسرائيل، غير أبهة بكل القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع ذلك، والتي تعتبر القدس مدينة عربية فلسطينية محتلة، بالرغم من مطالبة رؤساء المجالس والبرلمانات العربية في ختام مؤتمرهم السنوي الثالث المنعقد في القاهرة بقطع جميع أنواع العلاقات الدبلوماسية مع أية دولة تعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، أو تقوم بنقل سفارتها إليها، وذلك تنفيذاً لما جاء في مؤتمر قمة عمان عام 1980م المتخذة بهذا الصدد، وهي القرارات التي أعيد التأكيد عليها في قمة بغداد سنة 1900م والقاهرة في 2000م. مثلما ذكرت جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 11فيفري/فبراير 2018م، في مقتل بعنوان ( البرلمانات العربية تطالب بمقاطعة أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل).
فالجامعة العربية التي عرفت الكثير من دولها عملية تدمير ممنهج وشامل من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت عبارة عن دول فاشلة لا وزن إقليمي أو دولي أو عربي لها، بعدما كانت دولاً قوية لها اليد الطولى في حل الكثير من الأزمات والمشاكل والخلافات العربية، والتي انتقلت دفة القيادة والتوجيه فيها من الدول ذات الأنظمة الجمهورية الديمقراطية كالعراق وسوريا والجزائر ومصر إلى دول البترو دولار التي تأمرت ولا تزال على الأمن القومي العربي كالسعودية والإمارات وقطر، والجميع ربما يذكر تصريح وزير الخارجية القطري ورئيس وزراء قطر السّابق حمد بن جاسم أل جبر أل ثاني خلال مقابلة له مع التلفزيون القطري عند بداية الأزمة السورية حيث قال : توجهت للسعودية وقابلت الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بناء على تعليمات سمو الأمير الوالد، وقلت له هذه الحالة في سوريا، وقال لي نحن معكم، أنتم سيروا في الموضوع ونحن ننسق ولكن فلتبقوا أنتم مستلمين الموضوع. كما ذكر موقع قناة الميادين، بتاريخ 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2017م في مقال بعنوان ( بن جاسم: لا ثأر لنا مع الأسد و ” تهاوشنا على سوريا بتفويض سعودي).
فهذه الجامعة العربية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها، قد أصبحت بمثابة خنجر مسموم في خاصرة الدول التي لها دور محوري في المنطقة الشرق أوسطية كالجزائر، التي لا تزال ثابتة على مواقفها البطولية والسيادية الداعمة لكل القضايا العربية والدولية العادلة، فالبرغم من خلافنا الشديد مع قيادتها السّياسية التي نراها فاشلة وفاسدة، ولكن هذا لا ينفي بأن هذه القيادة قد حافظت على نفس الخط الذي عرفت به الجزاءر على الصعيدين العربي والدولي، و هذه المواقف الوطنية نابعة من إيمان عميق وراسخ لدى صناع القرار الحقيقيين في بلاد الشهداء بأن استقلال الدول العربية بشكل كامل عن الهيمنة الصهيو أمريكية هو الأساس لبناء فضاء متوسطي وعربي جامع وفق مشروع تكاملي تعاوني تبادلي تشاوري وتشاركي، مستفيدة في ذلك من كل القيم والعادات والتقاليد المشتركة لهذه الدول من المحيط إلى الخليج.
فالجزائر التي ترفع شعار لم شمل العرب في هذه القمة، تتعرض لمؤامرة صهيونية غربية وحتى من بعض الدول العربية التي لا تريد لها أن تصبح بمثابة بيضة القبان و قبلة كل الدول العربية المتناحرة وذلك لحل كل خلافاتها بطريقة دبلوماسية توافقية، فهذه الدول المعادية للجزائر تريد الابقاء على حالة التشرذم والانقسام العربي لأنها المستفيد الأكبر من انهيار دول كليبيا أو اليمن، و التي لها مصالح جيواستراتيجية كبيرة فيها ومن مصلحتها استمرار حمام الدم وحالة الحرب الأهلية الداخلية التي استنزفت الموارد الطبيعية والبشرية لهذه الدول، فالمصالحة التي قامت بها الجزاءر قبل أيام قلائل من انعقاد القمة العربية بين مختلف الفصائل الفلسطينية كان الهدف الرئيسي منها هو إيجاد أرضية عربية مشتركة من أجل توحيد المواقف السّياسية للأنظمة العربية حول القضية المركزية للأمة باعتبار أن كل الدول العربية حتى تلك المطبعة لا تستطيع التملص من التزاماتها الأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات من طرف الصهاينة المجرمين، ولكن يبدو بأن كل الجهود التي بذلتها الجزاءر من أجل لم شمل العرب لن تجدي نفعاً لعدة أسباب تاريخية وبرغماتية ميكيافيلية وأخرى اقتصادية، لأن هناك دولاً عربية كمصر مثلاً لن تقبل بأن تكون الجزاءر هي الدولة العربية المحورية في دعم عملية السّلام الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، استناداً على دورها التاريخي المعروف في حل الخلافات الفلسطينية أو احتضان مختلف حركات المقاومة المسلحة ، لهذا انزعجت القاهرة من عملية المصالحة الفلسطينية التي أقيمت على أرض الجزاءر ودون دعم عربي وبمبادرة فردية من مؤسسة الرئاسة الجزائرية.
وهذا ما سيسحب البساط من تحت أرجل القيادة المصرية التي نصبت نفسها الوصي الشرعي على مختلف الفصائل الفلسطينية التي لطالما استغلتها أسوء استغلال وفق حسابات مصلحية استراتيجية ضيقة، فالنظام المصري المطبع مع الكيان الصهيوني والذي يتلقى مساعدات سنوية من واشنطن بموجب بنود معاهدة كامب ديفيد، لن يستطيع تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له إسرائيلياً و أمريكياً فيما يتعلق بالدور المنوط به في الملف الفلسطيني.
عكس الدولة الجزائرية المستقلة اقتصادياً نوعاً ما، لذلك واعتماداً على ما سبق ذكره من أحداث وشواهد تاريخية فبقاء الجزائر في جامعة الدول العربية لن يؤدي لإحداث التغيير المنشود في هياكلها المختلفة، وذلك بغية تحويلها لسرح حضاري وتاريخي وثقافي وسياسي جامع لكل العرب كما كان معبد الأكروبوليس مكاناً لاجتماع الحكماء في الميثولوجيا اليونانية القديمة، و تكون أيضاً مركزاً دائماً لإطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية وسياسية وتنموية تؤسس لولادة كيان اقتصادي عربي قوي على غرار الاتحاد الأوروبي أو منظمة أسيان أو نفطا في أمريكا الشمالية، لذلك على القيادة الجزائرية أن تنسحب من هذه الجامعة التي لا تقدم قيمة مضافة للطموحات الوحدوية للجزائر، والبدء في تشكيل هيكل تنظيمي جديد يضم تلك الدول التي تتشارك نفس المواقف والأفكار والثوابت الراسخة لها كدولة في القضايا الإقليمية والدولية بعيداً عن هؤلاء المطبعين و المنبطحين.
بقلم: عميرة أيسر
انسخ الرابط :
Copied