لجأت الحكومة الإسبانية، برئاسة بيدرو سانشيز، إلى حيلة جديدة تمثلت في تصدير الأزمة الداخلية التي تسببت فيها بتغيير موقفها المفاجئ من القضية الصحراوية، عبر اتهام روسيا بدفع الجزائر نحو تأزيم علاقاتها مع مدريد، وبالمقابل، كلف سانشيز أعضاء طاقمه الحكومي بالتقليل من حجم الأزمة مع الجزائر من خلال التأكيد على أن الغاز لا زال يتدفق، متجاهلين توجه سوناطراك نحو فسخ عقود الغاز مع “ناتورجي”، بسبب تهربها من مراجعة الأسعار.
وفي أحدث “خبطة” لحكومة مدريد، زعم رئيس الدبلوماسية الإسبانية خوسي مانويل ألباريس، أن التصعيد الأخير الذي أقدمت عليه الجزائر، والمتمثل في تعليق العمل باتفاق الصداقة وحسن الجوار بين البلدين التي تعود إلى عام 2002، وإقدام جمعية البنوك على وقف التوطين البنكي، جاء بتحريض من روسيا.
وفي محاولة لتهدئة الغضب السياسي والشعبي المتنامي ضد حكومة سانشيز، قال ألباريس وفق ما جاء في صحيفة “إل كونفيدونسيال” الإسبانية، إنه اتصل بمسؤولي الأحزاب السياسية ورجال المال والأعمال الذين لهم مصالح في الجزائر، وأبلغهم بأنه حصل على تفاصيل من المفوضية الأوروبية تفيد بوجود دور روسي فيما يحصل هذه الأيام بين الجزائر ومدريد، تحركه حسابات استراتيجية لموسكو تستهدف خلق أزمة على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، في محاولة لتطويق أوروبا بالأزمات، بعد أن أصبحت أوروبا الشرقية تحت رحمة الدب الروسي.
وذهبت الرواية “الخرافية” لحكومة سانشيز أبعد من ذلك، عندما تحدثت عن مزاعم برغبة روسيا في تفجير العلاقات الجزائرية الإسبانية بسبب الغاز، ثم تأزيم العلاقات الإسبانية الإيطالية، بعد أن أصبحت روما الموزع الحصري للغاز الجزائري نحو أوروبا، إثر الزيارة التي قادت الرئيس عبد المجيد تبون إلى إيطاليا الشهر المنصرم.
المحور الثاني الذي تعمل عليه حكومة سانشيز ذو بعد داخلي، ويستهدف تهدئة خواطر الشعب ورجال المال والأعمال الإسبان، المتخوفين من تداعيات انهيار العلاقات الثنائية، والتي ستنعكس مباشرة على جيوبهم من خلال قرار الجزائر مراجعة أسعار الغاز في العقود المبرمة بين “سوناطراك” الجزائرية و”ناتورجي” الإسبانية، بما يتماشى وأسعار السوق الحالية، والتي من شأنها أن ترفع تكلفة واردات إسبانيا من الغاز الجزائري بنسبة أربعة بالمائة، لتصل إلى ما يناهز عشرة ملايير دولار في السنة.
وفي هذا الصدد، كلف سانشيز أعضاء حكومته بتقديم انطباعات مفادها أن العلاقات الثنائية ليست متضررة بالشكل الذي تصوره وسائل الإعلام، وهو ما جاء على لسان النائب الثالث لرئيس الحكومة، ووزيرة التحول البيئي والتحدي الديموغرافي، تيريزا ريبيرا، التي نفت أن تكون إمدادات الغاز في إسبانيا معرضة للخطر بسبب الأزمة، وأكدت أن العلاقة بين البلدين “مهمة بما فيه الكفاية ومتينة وواسعة”.
وحاولت ريبيرا في حوار خصت به صحيفة “لفانغوارديا” إقناع الإسبان بأن عقود الغاز المبرمة بين البلدين غير مرتبطة بالمواقف السياسية، طالما أنها تحكمها عقود قانونية، غير أنها كما رئيس حكومتها وبقية طاقمه الحكومي، لم يتجرأوا على مصارحة الشعب الإسباني بالمسألة الأخطر، وهي ما تعلق بأسعار الغاز، التي يتوقع أن تحرق جيوب مواطني بلدها، في ظل عزم الجزائر على رفعها إلى مستواها الحقيقي في الأسواق العالمية، وهذا مضمون بموجب العقود ذاتها التي تحدثت عنها ريبيرا.
والغريب في الأمر هو أن النائب الثالث لرئيس الحكومة الإسبانية وفي خضم تعقيبها على التقارب الجزائري الإيطالي واحتمال تضررها بعد هذا التقارب والذي جاء على حساب مدريد، تحدثت عن مساعدة بلادها لروما في التزود بالغاز، في حين أن إسبانيا هي التي بحاجة إلى الغاز بأسعار تفضيلية، وهو الامتياز الذي خسرته بعد الأزمة، ما يجعل من تصديرها للغاز أغلى بكثير مما تشتريه روما من الجزائر في ظل المعاملة التفضيلية التي تتمتع بها هذه الأخيرة.
ووفق مراقبين فإن حكومة بيدرو سانشيز تحاول إيهام الشعب الإسباني بأن المشاكل التي تعيشها مدريد مع الجزائر، إنما تقف خلفها روسيا، وهي الحيلة التي لم تنطل على النخب والشعب الإسباني، الذي سارع إلى تحميل رئيس حكومة بلاده، مسؤولية تدهور العلاقات مع الجزائر، بسبب إقدامه على تغيير الموقف التاريخي من القضية الصحراوية، لصالح نظام المخزن المغربي.
وتبقى هذه المحاولة يائسة، بدليل استمرار الاستهداف المركز على رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، محملا إياه مسؤولية ما خسرته مدريد بسبب تدهور علاقاتها مع الجزائر، فقد هاجمت إيناس أريماداس، رئيسة حزب سيودادانوس، رئيس حكومة بلادها على خلفية المتاعب التي سببها لإسبانيا جراء تدهور العلاقات مع الجزائر.
وقالت في حوار لصحيفة لاراثون إن “العلاقات الخارجية لأي بلد، ليست خاصة برئيس الحكومة، لأنها صورة إسبانيا في الخارج، وهذا من شأنه أن تترتب عليه تداعيات جيوسياسية خطيرة، ومن ثم خسائر اقتصادية جسيمة، لأننا نتحدث عن الغاز الذي نستورده”.
الشروق