تشهد تونس في الفترة الأخيرة مظاهر لم تألفها من قبل، فطوابير الانتظار باتت في كل مكان، أمام المخابز والبقالة، لشراء المواد الغذائية الأساسية، ولكن الطابور الأكثر لفتًا للنظر يكون أمام مكاتب البريد التي ينتظر أمامها عددًا كبيرًا من الناس للحصول على “منحة” العائلات المعوزة (العائلات الفقيرة) التي أقرتها الدولة التونسية لدعم ذوي الدخل المحدود ومعدومي الدخل.
تعكس هذه المشاهد المؤسفة حجم المأساة الاقتصادية التي وصل إليها الوضع في تونس، فلولا حاجة هؤلاء لما وقفوا في تلك الطوابير لساعات طويلة للحصول على المواد الأساسية التي تدعمها الدولة، ما يعني أن رقعة الفقر تتسع باستمرار، لأسباب متعددة منها وسوء التسيير والإدارة ناهيك عن الأزمات السياسية التي تشهدها تونس منذ سنوات وزادت حدتها منذ انقلاب الرئيس قيس سعيد على دستور البلاد ومؤسساتها الشرعية، فضلًا عن الأزمات الدولية التي تلقي بظلالها على وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي.
مؤشرات عامة
تكمن مشكلة تونس كغيرها من الدول العربية، في غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة، تقصيرًا من الدولة وخوفًا من كشف حقائق الأمور، لكن أحيانًا تصدر بعض المؤسسات أو المسؤولون أرقامًا – رغم عدم دقتها – من المهم تسليط الضوء عليها.
مطلع شهر مارس/آذار الماضي، كشف وزير الشؤون الاجتماعية التونسي مالك الزاهي في تصريح نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية، أن 963 ألف عائلة تضم نحو 4 ملايين تونسي يعانون من الفقر، من نحو 12 مليونًا إجمالي عدد سكان البلاد.
وأعلن الزاهي عن توسيع برنامج المنح النقدية للعائلات المعوزة، لتشمل 310 آلاف أسرة إضافية خلال 2022، وقبيل بداية شهر رمضان الكريم أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، تخصيصها مساعدات اجتماعية لأسر فقيرة بالتزامن مع حلول شهر رمضان المرتقب.
يقدر المبلغ الإجمالي لهذه المساعدات وفق بيان للوزارة بـ 33.538 مليون دينار تونسي (11.340 مليون دولار)، يُصرف على قسطين: أول يقدر بـ 16.738 مليون دينار (5.664 مليون دولار) لفائدة نحو 273500 عائلة بحساب 60 دينارًا (20.3 دولار) لكل عائلة، وثانٍ يقدر بـ 16.8 مليون دينار (5.687 مليون دولار) بعنوان مساعدات عيد الفطر.
في الأثناء وقعت تونس مع البنك الدولي مؤخرًا، اتفاقية قرض بقيمة 400 مليون دولار، سيخصص لتمويل مشروع دعم الحماية الاجتماعية من أجل التصدي العاجل لجائحة كورونا، والتمويل هو الثاني بعد أن قدم البنك الدولي نحو 300 مليون دولار كقرض في 31 مارس/آذار 2021، لتمويل المشروع الطارئ لدعم الحماية الاجتماعية ليصل بذلك إجمالي التمويل إلى 700 مليون دولار، ومن المنتظر أن ينتفع بهذا التمويل نحو 310 آلاف عائلة معوزة ومحدودة الدخل.
ما يعني أن الدولة التونسية تقترض من الصناديق الدولية كالبنك الدولي أموالًا طائلةً، لا لاستثمارها في مشاريع مهمة يمكن أن تقدّم أرباحًا للبلاد، وإنما لتقديمها كمساعدات للعائلات محدودة الدخل، ما يعكس الصعوبات الكبيرة التي تعيشها تونس.
وضمن المؤشرات التي تعكس صعوبة الوضع في تونس واتساع دائرة الفقر في البلاد، ضعف نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي مقارنة بالدول المجاورة، إذ لا يتعدى في تونس 3300 دولار سنة 2020 مقابل 3700 سنة 2019، أي أنه في تراجع ومن المفروض أن يتطور.
أما فيما يتعلق بمعدلات البطالة، فقد بلغت 18.4% خلال الثلاثية الثالثة لسنة 2021، مقابل 17.9% خلال الربع الثاني من العام نفسه، ويتوقع أن تواصل الارتفاع خلال الفترة القادمة.
كما سجلت نسبة التضخم في تونس، في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا، إذ بلغت في شهر مارس/آذار الماضي 7.2% وهي نسبة مرتفعة، بينما بلغ النمو الاقتصادي 1.6% خلال الربع الأخير من العام الماضي، في وقت تسجل اقتصادات مجاورة أرقام نمو مهمة.
وتتوقع الدولة التونسية أن يبلغ العجز في الميزانية العامة للسنة الحاليّة 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار) أي 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تبلغ نسبة الدين العام 82.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق وزارة المالية التونسية.
انعكس هذا الأمر على إجمالي الادخار الوطني الذي شهد بدروه تراجعًا كبيرًا، إذ تراجع الادخار الوطني بنسبة 58.8% سنة 2020، ما أدى إلى تقهقر نسبة الادخار قياسًا بإجمالي الدخل الوطني المتاح ليمر من 9.2% سنة 2019 إلى 4% سنة 2020، أي أضعف مستوى له منذ عقود، حسب تقرير البنك المركزي التونسي لسنة 2020.
موارد وثروات طبيعية مهمة
المفارقة الكبيرة أن تونس تنعم بالعديد من الخيرات والثروات، ومع ذلك فنسب الفقر في تزايد مستمر، حيث تمتلك تونس موارد طبيعية عديدة على غرار النفط والغاز والفوسفات والملح، ويبلغ مخزون النفط في تونس ما يعادل 425 مليون برميل من النفط الخام، ويغطي الإنتاج المحلي ما نسبته 49% من احتياج قطاع الطاقة بالبلاد.
يبلغ عدد امتيازات استغلال الآبار سارية المفعول حاليًّا 58 امتيازًا، كما تم منح 20 رخصة استكشاف وبحث جديدة، ويمكن استغلال المخزون على مدى 16 سنة بمعدل 27 مليون برميل سنويًا أي ما يعادل 65 برميلًا في اليوم.
كما بلغت الموارد المتاحة من الغاز الطبيعي سنة 2020، 5393 ألف ط م ن (34% إنتاج وطني و66% غاز جزائري المصدر) مقابل 4855 ألف ط م ن سنة 2010 (62% إنتاج وطني و38% غاز جزائري المصدر)، ويبلغ احتياطي تونس من الغاز 1.708 مليار متر مكعب.
ثالث الموارد الطبيعية المهمة في تونس، هو الفوسفات الذي بلغ إنتاجه خلال سنة 2021 مستوى 3.726 مليون طن مقابل 2.830 مليون طن سنة 2020 مسجلًا بذلك تحسنًا بـ32% مقارنة بسنة 2020 وتراجعًا قدره 54% مقارنة بنسق الإنتاج العادي لسنة 2010 (8 ملايين طن)، وسجل رقم المعاملات الإجمالي لقطاع الفوسفات ومشتقاته 2676 مليون دينار إلى نهاية سنة 2021.
عرف عام 2019 ارتفاع نسق البحث المنجمي، حيث تطور عدد رخص البحث لأول مرة إلى 108 رخص بحث مقابل 81 رخصة عام 2018، كما تطور عدد امتيازات الاستغلال ليبلغ 62 امتياز استغلال مقابل 57 امتيازًا عام 2018.
ومن الثروات التي تملكها تونس أيضًا الملح، الذي يبلغ إنتاج البلاد منه بين 1.5 مليون ومليوني طن سنويًا، ويتم تخصيص 100 ألف طن منها للاستهلاك المحلي وتصدير بقية الإنتاج إلى الخارج وخاصة إلى النرويج والدنمارك وأيرلندا، وتستحوذ الشركة الفرنسية “كوتوسال” على ثلثي الإنتاج.
إلى جانب ذلك، تمتلك تونس إمكانات زراعية مهمة، إذ يساهم القطاع الزراعي بنحو 10% من الناتج الداخلي الخام، ويساهم بنسبة 10% في الصادرات التونسية، ويستقطب 8% من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14% من اليد العاملة النشيطة، ويؤمن موارد رزق لأكثر من 570 ألف مشتغل فلاحي وبحار، كما أنه يمثل بصفة غير مباشرة مورد رزق لأكثر من 2.5 مليون عامل.
كما تُعرف تونس بأنها وجهة سياحية مميزة، إذ تمتلك البلاد مقومات سياحية مهمة من شواطئ وصحارٍ وجبال ومنتجعات، مكنتها بأن تحتل مراتب متميزة عالميًا في المجال السياحي وأن تستقطب قرابة 10 ملايين سائح سنويًا، ويساهم القطاع بنحو 14% من الناتج الداخلي الصافي ويوفّر مصدر رزق لمليوني تونسي.
أسباب زيادة رقعة الفقر
رغم كل هذه الموارد الطبيعية والإمكانات المتاحة للدولة التونسية فضلًا عن الإمكانات البشرية المهمة والكفاءة التي يتمتع بها التونسي في مجالات عدة، فإن نسب الفقر في البلاد في ارتفاع متواصل، ما جعل تونس تحتل المرتبة 120 في الترتيب العالمي لمؤشر السعادة لسنة 2022 مقارنة بالمرتبة 86 سنة 2021، وفق الأمم المتحدة.
الفساد
أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه المفارقة التي تعيشها تونس، انتشار الفساد في البلاد، فرغم التشريعات والقوانين التي أُقرت بعد الثورة لمحاربته، فإن الفساد يكلف تونس 3 مليارات دولار سنويًا، وفق إحصاءات رسمية، ويساهم في غلق العديد من المؤسسات وإفلاسها.
يمس الفساد أغلب القطاعات في تونس، بما في ذلك قطاع الأمن والجيش والجمارك والقضاء، فضلًا عن الصحة والتربية والتعليم والرياضة والثقافة، فلا يخلو أي قطاع من الفساد الظاهر للعيان، ففي تونس لست مضطرًا للبحث عن الفساد فأينما تنظر تجد الفساد أمامك.
وأظهرت دراسة تحليلية عن الفساد الصغير في تونس، أن 19% من التونسيين (1.5 مليون تونسي) دفعوا رشوة سنة 2020، وكشفت دراسة أنجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين أن القيمة الإجمالية للرشاوى التي دفعت في مختلف القطاعات سنة 2020 في تونس بلغت 570 مليون دينار ليسجل ارتفاعًا بنسبة 21% مقارنة بما تم تسجيله في دراسة أُنجزت سنة 2014.
كشفت الدراسة أيضًا أن القطاع الأمني تصدر المرتبة الأولى للرشوة والفساد بـ50% يليه القطاع الصحي بـ20% ثم الجماعات المحلية أي البلدية والمعتمدية والولاية بـ14%، فيما بلغت نسب الرشوة والفساد في المؤسسات العمومية بمختلف أنواعها 10%.
وجاءت تونس في المرتبة 70 على مستوى العالم (بين 180 دولة)، وفي المرتبة السادسة عربيًا على مؤشر مدركات الفساد للعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، بـ44 نقطة، وهو نفس الرقم الذي حصلت عليه عام 2020، ويتوقع أن تتراجع مرتبتها إلى مراتب متدنية مستقبلًا.
ووصل إجمالي البلاغات عن الفساد إلى 43459 بلاغًا، بحسب الموقع الرسمي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وساهم تعطيل الرئيس قيس سعيد عمل هيئة مكافحة الفساد ومنع نشاطها بعد انقلابه الدستوري، في تنامي ظاهرة الفساد في البلاد.
كما يرجع تنامي ظاهرة الفساد في تونس إلى غياب الإرادة السياسية التي تجلت في تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب وتواصل ظاهرة انتقائية تحريك ملفات الفساد وعدم تطبيق قانون حماية المبلغين، فضلًا عن وجود نقص فادح في مقومات الحوكمة والشفافية لأغلب الحكومات التي حكمت تونس بعد الثورة.
ووفق منظمة “مجموعة الأزمات الدولية”، فإن وجود نحو 300 رجل ظل يتحكمون في أجهزة الدولة ويعرقلون الإصلاحات، وبعضهم يعطل تنفيذ مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية ويحرك الاحتجاجات الاجتماعية فيها، واحدة من المظاهر التي تعمل على إنعاش المحسوبية والسمسرة التي تكلف البلاد الكثير من الخسائر.
سوء الإدارة واستغلال الموارد
تعاني تونس من سوء الإدارة واستغلال الموارد الذي أدى إلى تراكم الخسائر في العديد من مؤسسات القطاع الحكومي، وساعد الخلل الإداري في مؤسسات الدولة بشكل كبير ذوي النفوذ والمال على توظيف بعض أجهزة الدولة بطرق مختلفة لتحقيق مكاسب وثروات كبيرة.
تم ذلك مثلًا عبر انخراط هذه الفئات الاجتماعية في أنشطة وممارسات غير مشروعة للحصول على بعض التسهيلات الائتمانية والقروض البنكية من دون وجه حق أو ضمانات وإهدار المال العام أو الاختلاس.
ويدفع تشعب الإجراءات وتعقدها في العديد من الأحيان بالمتعاملين مع الإدارة العمومية التونسية إلى البحث عن المسالك الأقرب والأسهل لإتمام معاملاتهم، ما أدى إلى تنامي ظاهرة الرشوة في تونس في السنوات الأخيرة.
ونتيجة سوء التسيير، أصبحت العديد من المؤسسات العمومية التونسية تعرف مصاعب عديدة: عجز مالي وتضخم في عدد الموظفين وإدارة بيروقراطية غير عصرية، إضافة إلى ديون متراكمة لدى الصناديق الاجتماعية والشركة الوطنية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه إضافة للصيدلية المركزية، حيث وصل عجز أهم الشركات العمومية لدى الدولة (11 شركة) إلى أكثر من 5 مليارات دينار (1.8 مليار دولار) حتى نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2019، كما بلغت ديون الدولة الضريبيّة تجاه المؤسسات 1.2 مليار دينار (440 مليون دولار)، وفق وزارة المالية، ما جعل الحكومة تبحث كثيرًا في مسألة التفويت خاصة في البنوك العمومية.
لم يكن الفساد ولا سوء التسيير الإداري الأسباب الوحيدة التي ساهمت في تزايد رقعة الفقر في تونس، فالاضطرابات السياسية كان لها دور كبير في تنامي هذه الظاهرة المخيفة في هذا البلد العربي، خاصة في الفترة الأخيرة.
وعرفت تونس في السنوات الأخيرة أزمات سياسية وانعدام استقرار على المستوى السياسي، إذ تعددت الحكومات بمعدل حكومة كل سنة وتنازعت مؤسسات الدولة على الحكم، وكل طرف أي القصبة وباردو وقرطاج يُريد الحكم وحده بعيدًا عما نص عليه دستور البلاد لسنة 2014.
بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014، شهدت تونس أزمة سياسية خانقة تنازع حينها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة المعين من طرفه الذي ينتمي لحزبه يوسف الشاهد حكم البلاد، ما عطل الحكومة وأثر على سير دواليب الدولة.
حدث نفس الشيء بعد انتخابات سنة 2019، إذ تنازع الرئيس قيس سعيد الحكم مع هشام المشيشي الذي عينه بنفسه أيضًا وأصبحت الدولة شبه معطلة لأشهر عدة إلى أن تعطلت تمامًا في يوليو/تموز 2021 بعد انقلاب سعيد على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية، وهو ما انعكس سلبًا على حياة التونسيين وقدرتهم المعيشية التي انهارت إلى مستويات دُنيا لم تعرفها البلاد من قبل.
فضلًا عن هذه الأسباب المحلية، تأثرت تونس كثيرًا بالأزمة الليبية، إذ ساهم تفاقم الأزمة الليبية في إعاقة نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنوات العشرة الأخيرة، وأدى الإغلاق المتواصل للممرات الحدودية بين البلدين إلى تعطل التبادلات التجارية النظامية بين الشقيقتين وارتفاع نسق التجارة الموازية، وكانت ليبيا قبل ثورة يناير 2011، تعد أول شريك اقتصادي عربي وإفريقي لتونس.
تخسر تونس سنويًا نحو 800 مليون دولار، نتيجة تأثير الأزمة الليبية على الطلب وآفاق الاستثمار، وتراجع المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا بأكثر من 75%، في السنوات الأخيرة، بسبب التوقف الكامل لأنشطة أكثر من مئة مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية، كما قامت أكثر من ألف شركة بإعادة برامجها التصديرية والإنتاجية، التي كانت موجهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية، حسب وزارة التجارة التونسية.
فضلًا عن الأزمة الليبية، تأثرت تونس بالحرب الروسية على أوكرانيا، إذ تعتمد تونس في وارداتها من الحبوب إجمالًا على السّوقَين الروسية والأوكرانية بنسبة 80%، أما بالنسبة لواردات القمح فتصل نسبة التوريد من البلدين إلى 60%، خصوصًا من أوكرانيا التي استوردت منها تونس ما قيمته 984 ألف طن في العام الماضي مقابل 111 ألف طنّ من القمح الروسي.
نتيجة الحرب، غابت العديد من المواد الأساسية عن الأسواق الأساسية على غرار السميد والسكر والزيت والطحين، وتحولت الأزمة على مدى أسابيع إلى أمر واقع في أغلب أنحاء تونس وتنذر بالمزيد من الاضطراب في الأسواق، ما قد يهدد السلم الأهلي.
إلى جانب الحبوب، فإن تأثير الحرب سيشمل مجال المحروقات خاصة أن تونس صاغت قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2022 وفق فرضية تُثبّت سعر برميل النفط في حدود 75 دولارًا، وقد وجدت الحكومة نفسها في مأزق مع ارتفاع سعر برميل النفط لمستويات قياسية.
هذا الأمر ساهم في تزايد عدد المحتاجين والفقراء وذوي الدخل المحدود في تونس، خاصة أن البلاد لم تخرج بعد من تأثير أزمة وباء كورونا الذي عطل الإنتاج وركن آلاف التونسيين على البطالة الوجوبية وأفقدهم وظائفهم وعملهم.
بالمحصلة، رغم الثروات الباطنية والإمكانات التي تمتلكها تونس، عرفت ظاهرة الفقر اتساعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وسوء التسيير الإداري والمالي، فضلًا عن الأزمات السياسية وانعدام الاستقرار دون أن ننسى تأثير الأزمات العالمية والإقليمية.
هذا الأمر يحتم على الدولة التونسية العمل بجدية لتفادي الكارثة، لكن ذلك لا يبدو متاحًا حاليًّا على الأقل في ظل إصرار الرئيس قيس سعيد على تعطيل الديمقراطية التونسية واحتكار ممارسة السلطة والتنكيل بمعارضيه دون أن يُقدم برنامج واضح للخروج من أزمات تونس المتعددة.
ينبغي على مختلف الأطراف التونسية تغليب مصلحة البلاد وترك الخلافات جانبًا للتصدي أولًا لانقلاب قيس سعيد، ومن ثم الجلوس على طاولة الحوار دون إقصاء أي فئة لوضع إستراتيجيات واضحة للخروج من المأزق الكبير الذي تعيش على وقعه البلاد.
وكالات