خلال الكوارث الطبيعية الكبرى التي تضرب شتى بلدان العالم، عادة ما تتناسى الأنظمة و”المعارضات”، حتى المسلّحة منها، خلافاتِها مؤقتا وتضعها جانبا وتوحِّد جهودها، ولو بشكل غير مباشر، لتجاوز المحنة الوطنية، وبعد أن تمرّ وتضع أوزارها على الناس، لا بأس أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة.
لكنّ ما تابعه العالمُ في سوريا هذه الأيام يثير الدهشة والصدمة؛ فالمعارضة التي خسرت الحربَ منذ التدخّل الروسي في سبتمبر 2016، وأصبحت محصورة في محافظة إدلب تحت حماية تركيا، لم تقدِّر للجزائر ولدول أخرى معروفَها وهي التي هبّت منذ الساعات الأولى للزلزال إلى إرسال مساعداتٍ عاجلة مستمرّة وفِرق حماية مدنية إلى سوريا لمحاولة إنقاذ العالقين تحت الركام وتقديم يد العون للمنكوبين، وسارعت إلى انتقادها بشدّة وزعمت أنها هبّت إلى نجدة النظام السوري وفكّ العزلة الدولية عنه، وكأنّ الأمر يتعلق بإنقاذ وزراء ومسؤولين سوريين سامين من تحت الأنقاض وليس بإنقاذ مواطنين بسطاء!
في مثل هذه المحن، تتعامل الحكوماتُ مع حكومات مثلها، وليس مع المعارضة.. لا يُعقل أن تتجاهل الجزائر الحكومةَ السورية الرسمية وتبعث فِرقها الإنقاذية إلى المناطق التي لا تزال تسيطر عليها المعارضة بحمايةٍ تركيةٍ مباشرة، هذا مخالفٌ للقوانين والأعراف الدولية.. لو تجاوز هؤلاء المعارضون خلافاتِهم مع الحكومة ونسّقوا معها مؤقتا لأمكن لفِرق الإنقاذ الجزائرية وغيرها الاتجاهُ إلى مناطق المعارضة لمدّ يد العون، لأنّ السوريين سواء، ولكن ما دامت القطيعة مستمرةً والصراعُ أضحى صفريًّا لا مكان فيه لأيّ تسويةٍ سياسية فيما يبدو، فكيف يمكن التعاملُ معها خارج الأطر القانونية؟
والأدهى من ذلك أن يتطاول إعلاميٌّ سفيه حاقد على الجزائر ويزعم أنّها أرسلت، ودولٌ أخرى، أسلحةً للحكومة السورية تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وهذا الكلام يقصد من ورائه تحريض أمريكا والغرب على الجزائر، وهذه قمّة الحقارة والنذالة من هذا الإعلاميِّ الذي زاده انتصارُ بشار على المعارضة بدعم عسكريٍّ روسيٍّ فعّال، مرضًا وغلًّا وحقدا، ولم يعُد أمامه إلا أن يموت غيضا وقهرا وكمدا.
تُرى ما الذي يمكن أن يقوله هؤلاء الحاقدون الآن وهم يرون طائرةً سعودية تنزل بالمساعدات في مطار حلب والأممَ المتحدة تقرّر التعامل مع الحكومة الرسمية في إيصال المساعدات عبر المعابر السورية- التركية مدة ثلاثة أشهر؟
سنرى ما الذي سيفعله هؤلاء المعارضون حينما تُنهي تركيا حوارها مع الحكومة السورية بالتخلّي عنهم والسماح للجيش السوري وحلفائه بدخول محافظة إدلب بعد أن منعته من ذلك بالقوة منذ سنوات، وقد قلنا آنذاك إنّ ما تفعله تركيا من منع الدولة السورية من بسط هيمنتها على كافة أراضيها، هو “بلطجة” حقيقية، وليس لها أن تقسِّم دولةً شقيقة وتنخرط في مشروع “سايكس بيكو 2” الصهيونيِّ الغربي لإعادة تقسيم المنطقة انطلاقًا من سوريا.. اليوم بدأت تركيا تراجع نفسها وهي تسير تدريجيًّا في طريق المصالحة مع الحكومة السورية، وسنرى بعدها ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء المعارضون الذين أسلموا قيادَهم لتنظيمٍ إرهابيٍّ معروفٍ بولائه لـ”القاعدة”، وما إذا كانوا سينتقدون تركيا على “بيعهم” للنظام السوري مقابل المصالحة معه، أم سيتهافتون عليها طلبا للّجوء.
الشروق