إذا ما حاولنا تخيل مقارنة بين مشاعر كل من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” تجاه عام 2021، فسيكون الرضا حال الأول حيث أن موسكو عززت نفوذها في الشرق الأوسط وشمال غرب أفريقيا، في حين سيشعر الثاني بالأسف حين يخلص إلى أن باريس فقدت الكثير من نفوذها في المنطقة، خاصة في البلدان التي كانت مستعمرات سابقة لفرنسا.
وهناك عاملان أضعفا يد فرنسا في المنطقة. أولا انسحاب الولايات المتحدة من بعض مجالات الشؤون الإقليمية مما أضعف نفوذ أوروبا على شمال أفريقيا والساحل وسط الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي والتي تجلت في السياسات المختلفة بشدة التي تنتهجها فرنسا وإيطاليا في ليبيا.
أما العامل الثاني فهو مساعي جيران أوروبا في جنوب المتوسط لتعزيز السيادة الوطنية وتنويع الشركاء الأمنيين والاقتصاديين.
ويشير تفكك السياسة الفرنسية في ليبيا ومالي وسوء إدارتها للعلاقات مع الجزائر(تعد لاعبا عسكريا رئيسيا في المنطقة) إلى فشل أوسع للتصورات الأوروبية وضمور في التفكير الاستراتيجي بشأن أفريقيا.وقد عفا الزمن على الحسابات الفرنسية التقليدية في أفريقيا حيث أصبحت تركيا والصين وروسيا (التي لم تظهر في الماضي اهتماما كبيرا بالمنطقة) دولا فاعلة في أفريقيا اقتصاديا وتجاريا وأمنيا.
وأدى الدور الريادي لفرنسا في التدخل العسكري المدعوم من “الناتو” في ليبيا عام 2011 إلى انقسام أوروبا الغربية. ولم تكن إيطاليا، القوة الاستعمارية السابقة، راضية عن الدور الذي لعبته فرنسا في الإطاحة بـ “معمر القذافي”. وأدى دعم فرنسا اللاحق للجنرال “خليفة حفتر” إلى تأجيج الصراع الليبي وشجع “حفتر” في محاولته للاستيلاء على طرابلس. كما فتح الموقف الفرنسي الباب أمام الإمارات وروسيا للانضمام إلى المعركة دعما لـ”حفتر”.
وأدى ذلك بشكل مباشر إلى تدخل تركيا المباشر في الصراع في يناير/كانون الثاني 2020 وقد استفادت روسيا من هذا التدخل أيضا بشكل غير مباشر. وسارعت فرنسا في شجب التدخل التركي، بينما التزمت الصمت حيال دور حلفائها العرب. وأثارت سياسة “ماكرون” غضب الجزائر التي يعارض قادتها التدخل في شؤون شمال أفريقيا من قبل دول خارج المنطقة.
المصدر: مصر اليوم