اتجهت السلطات الجزائرية إلى تجنيد المساجد في حملتها المفتوحة ضد استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة والاتجار بها، لما للخطاب الديني من تأثير في قناعات الأفراد والمجتمع، لكن صدقية الخطاب الديني المهتزة لدى الشارع الجزائري ونمطيته تقللان من حظوظ نجاح الحملة، لاسيما في ظل غياب نقاش حقيقي حول تغلغل المخدرات في المجتمع الجزائري.
وأكد وزير الشؤون الدينية الجزائري يوسف بلمهدي أن “وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قامت، في إطار مكافحة هذه السموم القاتلة التي تريد أطراف عديدة من خلالها ضرب الجزائر في عمق مجتمعها، بحوالي 10 آلاف عملية توعوية خلال هذا الثلاثي من السنة، مكنت من إقناع 700 مدمن عبر التراب الوطني بالإقلاع عن تعاطي المخدرات بمرافقة من الأئمة”.
وكثيرا ما تلجأ الحكومة الجزائرية إلى المساجد والزوايا، لإعانتها على تمرير مختلف البرامج والخطابات، بما فيها الذي يدخل في الشأن السياسي كالوحدة الوطنية والأخطار الخارجية، وحتى الحض على المشاركة في الاستحقاقات الوطنية، رغم أنها تحظر النشاط السياسي على المسجد والموظفين المنتسبين إلى قطاع الشؤون الدينية.
ويساهم فاعلون في القطاع، إلى جانب جمعيات ومتطوعين، في محاربة استهلاك المخدرات والاتجار بها، لاسيما وأن العديد من الأولياء يلجأون في بعض الأحيان إلى أئمة معروفين بتواصلهم الجيد مع الشباب والمراهقين، وبأنهم يتحلون بالقدرة على الإقناع الديني والنفسي بغية إبعاد المستهلكين والتجار عن هذه الظاهرة.
ولفت وزير الشؤون الدينية، في ندوة حول محاربة المخدرات، إلى أن العمليات شملت خطبة الجمعة والدروس المسجدية والحضور في وسائل الإعلام والمجالس العلمية، فضلا عن المدارس القرآنية والحملات التحسيسية والخرجات الميدانية وتوزيع المطويات، وغير ذلك.
وأكد أن المسجد “مؤسسة وطنية تقدم خدمة عمومية للمجتمع من خلال حماية الجانب الروحي والمرجعية الدينية الوطنية، والتأسيس لمنظومة أخلاقية قوية تسند المجتمع، وأن قطاع الشؤون الدينية على استعداد للعمل مع كافة الشركاء لمكافحة هذه الآفة، وإحباط أي محاولة للمساس بأمننا الوطني، وستبقى أبواب المساجد مفتوحة لجميع الخبراء والمختصين للتوعية بخطورة المخدرات”.
وكان البرلمان الجزائري قد سن قانونا جديدا منذ أشهر قليلة، لمحاربة المخدرات والمهلوسات العقلية، جمع فيه العقوبات الردعية بين التكفل النفسي والبيداغوجي، بغية مواكبة التحولات الاجتماعية التي أفضت إلى ارتفاع كبير في استهلاك المخدرات والاتجار بها ومس مختلف الفئات الاجتماعية، بما فيها الإناث والأطفال في المدارس.
وفي هذا الشأن أفادت بيانات رسمية بأن استهلاك المخدرات في الجزائر ارتفع بنسبة 200 في المئة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى توسع دائرة الإجرام والاعتداءات والعنف، الأمر الذي أجبر الحكومة على مراجعة النصوص السابقة المتسمة بنوع من الليونة تجاه نشاط الاتجار بهذه المادة.
وذكر بيان لرئاسة الوزراء أن “المشروع يهدف إلى توطيد الإستراتيجية الوطنية في هذا المجال وتعزيز التدابير العلاجية وكذا حماية الضحايا والتكفل بهم، لاسيما من خلال إقرار حماية خاصة للصيادلة وتشديد، بشكل أكبر، العقوبات الجزائية التي تطبق على مرتكبي الجرائم المتعلقة بالاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية”.
وتضمن التشريع الجديد عقوبات صارمة في حق الموظفين العموميين المتورطين في عملية الترويج للمخدرات والمؤثرات العقلية تصل إلى 30 سنة سجنا، والسجن المؤبد لكل من يزرع حشيش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب، كما يعاقب شريكه بنفس العقوبة، ويعاقب أيضا مهنيي قطاع الصحة من الصيادلة أو الأطباء الذين يسهلون عملية الترويج بالسجن مدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات.
وتشمل العقوبات حسب النص القانوني كل من “يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو في المجالس الشعبية المحلية المنتخبة بصرف النظر عن رتبته، وكل عون وموظف في مؤسسات الدولة سهلت له وظيفته ارتكاب الجريمة، ومهنيي الصحة والصيادلة والصناعة الصيدلانية ومستخدمي مؤسسة متخصصة في معالجة الإدمان والجمعيات، التي تنشط في الوقاية من الظاهرة، وتصل العقوبة إلى المؤبد في حالة ارتكاب الجريمة في إطار جماعة إجرامية منظمة”.
كما يعاقب بالحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة مالية تصل إلى حوالي أربعة آلاف دولار كل من قام بطريقة غير مشروعة بإنتاج أو صنع أو بيع أو الحصول أو عرض أو شراء قصد البيع أو التخزين أو السمسرة أو شحن أو نقل مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية. أما مروجو المؤثرات العقلية فتصل العقوبات المسلطة عليهم إلى 3 سنوات، ويعاقب بغرامة مالية كل من يتحصل أو يحاول الحصول على مؤثرات عقلية باستعمال التهديد أو العنف أو التعدي.
وفي المقابل نص التشريع على “إعفاء المدمنين على تناول المخدرات والمهلوسات العقلية، من المتابعات القضائية في حال خضعوا للعلاج من حالات الإدمان، كما كرّس ضمانات قانونية لحماية المبلغين عن جرائم المخدرات قبل وقوعها”.
وتضمن أيضا أحكاما جديدة للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، منها وضع الدولة لإستراتيجية وطنية للوقاية من هذه الجرائم، تشارك فيها مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، ويُكلف الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها بالتنسيق مع جميع المتدخلين، بإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية والسهر على تنفيذها بعد مصادقة الحكومة عليها.
ودعا يوسف بلمهدي الأئمة إلى “بذل المزيد من الجهود في التوعية بخطورة هذه الآفة وما يترتب عليها من عواقب، وأن المحراب محل لحرب النفس والشهوات ومنبر لإعلان الحرب على كل ما من شأنه أن يفسد مجتمعنا وأخلاقنا”.
أما الخبير الدولي والمستشار في الوقاية الجوارية ورئيس مركز مكافحة الإدمان على المخدرات عبدالكريم عبيدات، فقد حض على “التعجيل بإطلاق إستراتيجية وطنية للوقاية الجوارية، وخلق مراكز جديدة جوارية للتكفل بالمدمنين على مستوى جميع المحافظات”.
ومن جانبه ركز المدير الفرعي لترقية الصحة العقلية بوزارة الصحة محمد شكالي، خلال الندوة المذكورة، على “أهمية الوقاية بشكل مدروس وبصفة علمية، بعيدا عن الارتجالية والمناسباتية، وذلك عبر إستراتيجية محكمة”.
وأكد أن وزارة الصحة تسعى لتوفير العلاج لجميع المدمنين الراغبين في العلاج، وذلك عبر 46 مصلحة خارجية، أو ما يسمى بالمراكز الوسيطة لعلاج المدمنين، إضافة الى 5 مصالح استشفائية.
وكشف المتحدث عن “ارتفاع عدد طالبي العلاج خلال سنة 2022 ليصل إلى 27 ألفا عبر التراب الوطني بعدما قدر سنة 2012 بأقل من 10 آلاف، وهذا الرقم يشجع ويبشر بالخير”.
صحيفة العرب