يرى الأكاديمي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور محمد عمرون، أن الجزائر قادرة في فترة وجيزة على تدارك تراجع تأثيرها، فهي تمتلك ميزة أساسية تختلف عن بقية منافسيها في إفريقيا، وهي قابلية معظم الدول الإفريقية لمحورية الدور الجزائري، وهو ما يتطلب حضورا فاعلا في الهيئات الإفريقية ذات الصلة.
ما هي مرتكزات عودة الجزائر إلى فضائها الإفريقي بعد غياب طويل؟
للجزائر عدة مرتكزات لاستعادة دورها الريادي الإقليمي، فالتاريخ النضالي الجزائري من أجل تحرير الشعوب الإفريقية من الاستعمار، والمرافعات القوية المستمرة في المحافل الدولية عن أحقية إفريقيا في التنمية وجهود الجزائر في حل النزاعات والأزمات، والوساطات الناجحة، كلها عوامل تجعل من استعادة الدور الريادي للجزائر تتخطى مسألة الرضا والقبول من عدمه من قبل الدول الإفريقية.
وماذا عن المنافسة التي تواجهها بلادنا في العمق الإفريقي؟
هناك دول إفريقية عديدة حاولت وتحاول لعب هذا الدور؛ إلا أنها تصطدم برفض إقليمي نظرا لمحدودية إمكانياتها أو تاريخها وسلوكياتها العدوانية تجاه جيرانها، ما يحتمها مضاعفة الجهود للوصول إلى نقطة الرضا الإقليمي بدورها، وبالتالي تكون الجزائر هنا متقدمة بأشواط على منافسيها المحتملين.
هناك ثناء دولي على دول الجزائر في الساحل وتوجه سياسي للحضور في عدة ملفات، كيف ترون مستقبل التوجه الجديد؟
من الناحية الإستراتيجية والأمنية؛ هناك توجه واضح للجزائر نحو إفريقيا، تعكسه حجم الزيارات والاتفاقيات المبرمة مع الدول الإفريقية، إلا أن اللافت في الأمر أن هناك معزّزا وضوحا في الرؤية لطبيعة الأدوار التي نريد لعبها في القارة، حيث قطعت الجزائر مرحلة الشك والتردد فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا الأمنية والإستراتيجية، خصوصا مع دول الجوار، وذلك منذ أن تبنى صانع القرار مفهوم “القوة الإقليمية”؛ التي يقصد بها أن الترتيبات الأمنية والعسكرية – بما فيها السياسية – لا يمكن أن تمر إلا من خلال أو عبر الجزائر، وهذا ما كان واضحا في أزمات ليبيا ومالي، ونزاع الصحراء الغربية، أو الموقف من تواجد كيان الاحتلال الإسرائيلي كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
ما هي المسارات الآمنة لتفادي الإخفاق في هذا النهج؟
إن الدور الريادي في إفريقيا من الناحية الإستراتيجية والأمنية، يتطلب حضورا فاعلا في الهيئات الإفريقية ذات الصلة، وهنا جاء اختيار السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منسقا للاتحاد الإفريقي حول الوقاية ومكافحة الإرهاب والتطور العنيف، كفرصة من أجل بلورة تصور إفريقي يستند على التجربة الجزائرية بالدرجة الأولى لمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى محاولة التنسيق في إطار منظم ثنائي أو متعدد الأطراف، مثلما تعلق الأمر بمبادرة لجنة الأركان العملياتية المشتركة في تنمراست، التي أعتقد أنها تحتاج إلى تحيين في الفواعل والأهداف على ضوء المتغيرات الأخيرة في الساحل ومقتضيات دستور 2020.
وماذا عن تحديات تفرضها قوى كبرى بدأت تلعب في المنطقة؟
تشكل التدخلات العسكرية الأجنبية في القارة أثناء الأزمات، وتواجد قواعد عسكرية بها، تحد يجب أخذه في الحسبان، حيث أن الاكتفاء بالرفض يصبح غير مجد إذا ما استفحلت الأزمات، وهنا التفكير الجدي في خلق آلية للتدخل السريع، أو قوة إفريقية للسلام، يكون دورها الأساسي التدخل أثناء الحروب والنزاعات، وهو ما يشكل إحراجا للقوى الغربية التي غالبا ما تبرر تدخلاتها في القارة بضعف الآليات العسكرية المشتركة في إفريقيا.
هل تسمح التحولات السياسية والتغييرات الدستورية لجيشنا بالذهاب بعيدا في تعزيز الدور الجزائري في إفريقيا؟
جاءت تعديلات دستور نوفمبر 2020 لتعزيز هذا التوجه؛ من خلال السماح للجيش الوطني الشعبي في مادة واضحة بالمشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية، خصوصا في القارة الإفريقية، فيكون الحضور والمساهمة في إحلال السلم رسالة أخرى للجهود الجزائرية غير المتوقفة في ضمان الأمن والاستقرار القاري.
وماذا عن التنسيق مع جيوش المنطقة، خاصة في الجنوب؟
تحتاج الجزائر إلى تكوين نخب متخصصة في إفريقيا، على الإستراتيجية والأمنية، ما يسمح بفهم أوضح لكل التغيرات الحاصلة داخل البلدان الإفريقية وفي محيطها الإقليمي، فتقدم الحلول وتستشرف التحولات وتتفاعل مع الأزمات في حينها وبإيجابية.
الخبر