تعجز النخب التونسية عن ابتكار حل للأزمة السياسية بين الرئاسات الثلاث “البرلمان والحكومة والرئاسة” ، أزمة تأخذ في كل مرة شكلا جديدا من حروب المكاتبات إلى التراشق الخطابي وصولًا إلى قطيعة سياسية تامة بين معسكر الرئيس قيس سعيد من جهة ورئيس البرلمان الإخواني راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة أخرى .
حيث تواجه الحكومة التونسية أزمة بين سعيد والمشيشي وذلك بعد رفض الرئيس المصادقة على التعديل الوزاري الذي قدمه رئيس الحكومة ونال موافقة البرلمان ، بدعوى عدم احترامه الدستور من الناحية الإجرائية ، ووجود وزراء تحوم حولهم شبهات فساد .
ولا تزال الأزمة السياسية تشهد مزيداً من التصعيد ، وأكّد الرئيس قيس سعيد ، رفضه ضرب المؤسسات من الداخل ، مشيراً إلى أنّه لا يقبل الهزيمة وثقافة الهزيمة ، وأنّ التحدي يقابل بالتحدي .
بدوره أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي ، أنه لن يتخلى عن تعديله الوزاري ، في إشارة إلى الـ 11 وزيراً الذين صادق عليهم البرلمان ، ولم يباشروا مهامهم بعد ، بسبب رفض الرئيس سعيد دعوتهم لأداء اليمين الدستورية أمامه ، بسبب شبهات فساد تلاحق عدداً منهم .
يبدو أن ظاهر الأزمة هو تنازع على الصلاحيات ما بين رئيسَي الجمهورية والحكومة ، أما امتدادات الأزمة فتعود إلى صراع آخر ، قديم ومتجدّد ، ما بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان ، زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي .
إن ذلك الصراع بدأ عندما نجحت الحركة وأحزاب أخرى في الإطاحة برئيس الحكومة التونسية السابق إلياس الفخفاخ ، والذي كان يحظى بدعم الرئيس سعيد .
لذلك تقف حركة النهضة في الصراع الجديد إلى جانب رئيس الحكومة ، فضلاً عن ائتلاف الكرامة وحركة قلب تونس .
هذا و اتسع نطاق المواجهة ، إثر إصدار قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة ، بطاقة ضبط وإحضار بحق النائب البرلماني راشد الخياري المحسوب على “الإخوان” .
وكلف قاضي التحقيق العسكري ، أعوان القوة العامة بتنفيذ بطاقة الضبط والإحضار بحق الخياري ، موجهاً إليها تهماً تتضمن القيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم ، وانتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بشكل يمس كرامتهم ، وتعمد المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش أو الأمة بقصد الإضرار بالدفاع الوطني والتآمر على أمن الدولة الداخلي المقصود به تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وربط الاتصالات مع أعوان دولة أجنبية الغرض منها الإضرار بالبلاد عسكرياً ، وهي تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام .
وتأتي ملاحقة النائب الإخواني قضائياً ، بعد أن نشر شريط فيديو اتهم فيه الرئيس قيس سعيد بتمويل حملته الانتخابية بدعم من المخابرات الأمريكية ، وزعم الخياري ، أن ضابط ارتباط أمريكي أرسل خمسة ملايين دولار لرئيس الحملة الانتخابية لقيس سعيد .
من جهتها نفت الحكومة الأمريكية ذلك ، من خلال سفارتها في تونس قائلة: “وجب التنويه أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، لم تقدم أي تمويل كان لدعم حملة الرئيس قيس سعيد الانتخابية ، وتؤكد الولايات المتحدة على احترامها الكامل لنزاهة الديمقراطية التونسية واستقلاليتها” .
ويرى مراقبون ، أنّ “إخوان تونس” اعتادوا على محاولات تشويه خصومهم السياسيين عبر التسريبات المزعومة والادعاءات الباطلة ، ومحاولة التشكيك في ذمة كل من يقاوم مشروعهم للتمكين ، وأنّ آخر ضحاياهم هو الرئيس قيس سعيد .
واعتبر المراقبون ، أن تدخل القضاء العسكري في قضية الخياري يرجع إلى أنّ الرئيس سعيد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وأن القضية تتعلق بتخابر مع جهات أجنبية ، وحول الحصانة البرلمانية ، مشيرين إلى أنّ امتيازاتها تنتفي في حالة التلبس ، وهي حالة كون المتهم نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لبث الفتنة والتحريض ضد رئيس البلاد .