النسخة الثانية لحكومة عزيز أخنوش تمثل نفَسا جديدا لمواصلة السباق نحو تحقيق الأهداف والغايات الكبرى التي تضمنها البرنامج الحكومي. من المؤكد أن الحكومة الحالية قد تكون أكثر الحكومة التي نفذت في ظرف لا يتعدى نصف الولاية الكثير من المشاريع وفتحت العديد من الأوراش. كثافة الإنجازات التي حققتها في هذه الفترة الوجيزة وضعت على عاتقها الكثير من المسؤوليات السياسية، وربّما أرهقت بعض الوزراء السابقين، ووضعتهم تحت ضغط لم يكونوا معتادين عليه. ومن ثمّ فإن التغييرات التي جرت على هذه الحكومة انصبت على ما يبدو على الجوانب التقنية المساعدة على استمرار هذا الزخم الحكومي بعيدا عن بعض التعثرات أو الاختلالات السابقة.
هناك وزراء ووزيرات قدموا عملا كبيرا في مناصبهم، لكن ظهر عليهم جانب من عدم الاحترافية، وغياب الدّربة السياسية والخبرة الإدارية المطلوبة، وربّما كانت هذه المشكلة هي السبب في ظهورهم بمظهر باهت نوعا ما على الرغم من أن المشاريع والبرامج التي أطلقوها لم تكن تقل أهمية عن باقي المشاريع الأخرى. في حين نجح وزراء آخرون خلال النسخة السابقة من الحكومة من الجمع بين الحسنين: الإنجاز وحسن الظهور والتواصل. ولهذا حافظوا على مناصبهم، وعززوا مواقعهم في خارطة المسؤولين الحكوميين، وربّما وضعوا أقدامهم على سكة مستقبل سياسي قد يكون أكثر تألقا وبروزا في المستقبل. هذا يتعلق بالذوات والأشخاص، لكن ماذا عن المشاريع والرؤى؟
هل يعتبر التعديل الحكومي مجرد تغيير لوجوه قديمة بوجوه جديدة؟ من المؤكد أن الغاية الجوهرية للتعديل الحكومي أعمق من ذلك بكثير. هناك أولا دور سياسي يتعلق بتعزيز التحالف الحكومي الحالي، والحفاظ على تماسكه واستمراريته في أداء مهامه، وربّما تهيئته للعب أدوار أخرى أكثر فعالية وكفاءة على المستوى الاستراتيجي. تجربة الأحزاب الثلاثة: التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة، تؤكد أن هناك إمكانية للمراهنة على هذا المثلث من أجل قيادة السلطة التنفيذية، بكل انسجام بعيدا عن أيّ صراعات أو تناقضات داخلية تهدد الاستقرار الحكومي، وتعطل إمكانية التركيز على العمل والفعل بدلا من التركيز على الكلام والقول. وهذا التماسك تأكد أيضا من خلال هذا التعديل.
هناك بعد آخر كان واضحا في هذا التعديل. إنه يتعلق بمحاولة تفعيل فلسفة تجديد النخب السياسية والحزبية. لقد حرصت الأحزاب في تقديم مرشحيها لهذه المناصب الحكومية التي شهدت التغيير، تقديم وجوه شابة بعضها معروف لدى المتابعين، وبعضها وافد جديد. تعيين رجل أعمال شاب مثل محمد سعد برادة في منصب حساس مثل منصب وزير التعليم يمثل دليلا على هذا الاختراق التشبيبي الذي يجب أن نوليه أهمية كبيرة، ولا سيّما أن هذه الشخصية لم تكن أبدا متوقعة الحضور لا في التشكيلة الحكومية، ولا في وزارة التربية الوطنية على الخصوص. لذلك يبدو التعديل الحكومي الأخير منطويا على تكسير آفاق الانتظار التي اعتادها المتابعون، عندما كانت الوجوه القديمة تتصارع على أخذ دورها للحصول على فرصة الاستوزار.
ومن هنا فإن الدفع بالعديد من الوزراء الشباب، حتّى إن تعلق الأمر بكتابات الدولة أو بحقائب وزارية أقل أهمية، يشكل عنوانا بارزا لهذه المرحلة الجديدة من حكومة عزيز أخنوش. وهي بالمناسبة مرحلة تمثل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة هذه الحكومة على الاستمرارية في النسق نفسه والزخم ذاته من الأداء والفعالية والمبادرة على الرغم من اقتراب المواعيد الانتخابية. وهذه أيضا إشارة ذكية جدا يمكن التقاطها من عملية التعديل وتوقيته. إنه جاء في سياق جد دقيق ومحسوب باعتبار أن الحكومات المتعاقبة اعتادت على تحويل الثلث الأخير من الولاية الحكومية إلى حلبة للصراع الانتخابي والحملات الانتخابية السابقة لأوانها، وهو أمر لا يمكن إطفاؤه إلا من خلال إجراء تغييرات تؤكد للجميع أن المنصب لا يدوم لأحد، وأن الأهم هو ترك البصمة الإصلاحية التي يتذكرها المواطن جيداً.