يوصف يوبا الأول بأنه آخر الملوك الأمازيغ، الذين حاولوا الوقوف في وجه روما وأطماعها الاستعمارية في نوميديا، فمن بعده ستصبح هذه الأخيرة خاضعة بالكامل لروما.
ولد يوبا الأول سنة 85 قبل الميلاد في مدينة بونة (عنابة حاليا، شرق الجزائر)، وهو ابن الملك هيمبسال الثاني، وبذلك يكون حفيد الملك يوغرطة.
عاش “يوبا الأول” في المرحلة اللاتينية التي تميزت بسيطرة القوات الرومانية على ممالك شمال أفريقيا، واستعداد هذه القوات الرومانية لاحتلال شمال إفريقيا بكاملها من الشرق حتى الغرب، مع إظهار النية السيئة في تطويق الممالك البربرية وتسييجها بخط الليمس لفصل أفريقيا النافعة عن غير النافعة وطرد المقاومين خارج السد الأمني، واستغلال كل ماهو داخل نطاق هذا الخط الأمني لصالح أباطرة روما ومعمري شمال أفريقيا ورجال كنيستها.
وكان لما يقع في روما من فتن وأحداث دامية وما يجري فيها من إحن وصراعات سياسية وعسكرية، وما تعرفه من قلاقل وثورات وانقلابات له أثر كبير وصدى سلبي ينعكس على سياسة شمال أفريقيا وتوجيه سياستها الداخلية والخارجية، ففي أواسط” القرن الأول ق.م شهدت الممالك البربرية تطورات خطيرة، عكست مدى تبعيتها لروما ووقوعها في فخ سياستها، ذلك أنه بعد موت “الدكتاتور سيلا” ساد فراغ سياسي في روما نتيجة ضعف مجلس الشيوخ، فبرز ثلاثة زعماء طموحين في الساحة، مما أفضى إلى نزاع بينهم انتهى بسيطرة قيصر على الحكم سنة 48 ق.م. وقد امتدت تأثيرات هذه التطورات إلى شمال أفريقيا، التي كانت دائما أحد ميادين تصفية الحسابات السياسية الرومانية، إذ تحالف الملوك البربر النوميد مع فرقاء الصراع الروماني، مما جر ويلات كثيرة على الدول البربرية.”
حلم يوبا الأول مذ كان صغيرا بنوميديا موحّدة وقوية تستطيع مقارعة روما، لكن روما كانت قد قسمت نوميديا إلى شطرين بعد وفاة يوغرطة انتقاما منه، الشطر الأول هو نوميديا الشرقية ويتولاها الملك يوكوس الأول، أما الشطر الثاني فهو نوميديا الغربية وحكمها الملك كودا.
من أهم ما يعرف عن “يوبا الأول” أنه كان شديد الحقد على قوات الحكومة الرومانية التي كانت تستهدف السيطرة على شمال أفريقيا وإذلال مملكة نوميديا وتركيع البربر ورومنتهم من أجل استغلال أراضيهم واستنزاف ثرواتهم والاستيلاء على ممالكهم وتخصيصها للمعمرين الرومان لكي يستفيدوا منها. ولكن “يوبا الأول” لم يرض بهذه السياسة العدوانية التي تكرس الهيمنة الرومانية على حساب حقوق البربر. لذلك شكل جيشا بربريا عتيدا من المشاة والفرسان ونظمهم بطريقة حديثة مستوحيا في ذلك الطرائق العسكرية الرومانية واليونانية والقرطاجنية في التحصين والمجابهة والمبارزة والهجوم والدفاع، وكل هذا من أجل الاستعداد لكل مواجهة محتملة ضد الرومان. وكان “يوبا” على علم تام بكل نوايا القياصرة الاستعمارية. فكان يعد دائما كل ما يتوفر عليه من قوة مادية وبشرية لملاقاة القوات الرومانية المتغطرسة في بحر الروم أو ما يسمى أيضا بحوض البحر الأبيض المتوسط خاصة بعد انتصار الرومان على مملكة قرطاج وتخريبها بشكل نهائي. وقد عمل “يوبا الأول” جاهدا من أجل توحيد نوميديا تحت رايته من أجل خلق “مملكة بربرية” قوية في وسط شمال أفريقيا على غرار مملكة #ماسينيسا القوية لا يمكن أن تضعضع من قبل القوات المباغتة لبلاد تامازغا. ويعرف عن “يوبا الأول” أنه كثير الغيرة على وطنه وساكنة نوميديا وسيادة وطنه ومملكته. هذا، وقد سك “يوبا الأول” عملته النقدية البربرية المحلية متأثرا في ذلك بالعملة الرومانية، والدليل على ذلك أن العملة كانت بها كتابات وخطوط لاتينية. كما جعل لمملكته راية خاصة وشعارا خاصا هو البرنوس الأحمر الدال على النضال والكفاح والتضحية من أجل الوطن. وكان يمنع الضباط الرومانيين من لبس البرنس الأحمر؛ لأن هذا البرنس شعار البربر، كما أنه كان لباسه الخاص في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية، وكان أيضا شعاره المفضل في الحروب التي كان يخوضها ضد الغزاة الروم. ومن جهة أخرى، عرفت مملكة “يوبا الأول” رخاء اقتصاديا كبيرا بفضل الموقع الاستراتيجي الذي كانت تحتله مدينة بونة (عنابة) الساحلية باعتبارها مرفأ تجاريا مهما إلى جانب كونها منطقة فلاحية خصبة ومدينة صناعية غنية بالثروات، تنتعش فيها الزراعات المتوسطية، وفي نفس الوقت يزدهر فيها الصيد البحري وصناعة القوارب والسفن البحرية والحربية.
يقول أستاذ التاريخ القديم في جامعة باتنة بالجزائر، الدكتور جمال مسرحي، إن فترة حكم يوبا الأول “شهدت صراعا داميا على السلطة بين يوليوس وبومبيوس وكلاهما من مجلس الشيوخ، وتقاتلت قوات الرجلين في شوارع روما من أجل أن يعتلي أحدهما السلطة”.