وما زال أبناؤها الصِيدُ الكماةُ يرومون كما الأسود، ويخترقون الحدود ويتجاوزون الجدران، ويصلون إلى حيفا ويافا، وإلى تل أبيب والنقب، والعفولة والخضيرة، وينفذون أعظم العمليات فيها، ويمكثون فيها الساعات الطوال، يتجولون ويتحركون، ويجبرون المستوطنين على اللجوء والاختباء، والجيش على التراجع والانكفاء.
أمام صولة المقاومة وهبة القدس وثورة الضفة، لا تتوقف التقارير الأمنية الإسرائيلية تنذر بالأخطر وتبشر بالأسوأ، وتحذر حكومتها بأن الضفة الغربية لا تستكين على الخسف، ولا تنام على الظلم، ولا تقبل الضيم، وأن المزيد من الممارسات القمعية ضد الفلسطينيين، كسلب الأراضي ومصادرتها، وتوسيع المستوطنات وزيادتها، وملاحقة الفلسطينيين وقتلهم، والتضييق عليهم واعتقالهم، وهدم بيوتهم وخلع أشجارهم، وإتلاف محاصيلهم وحرق زيتونهم، واستباحة مدنهم وبلداتهم واجتياح قراهم ومخيماتهم، سيعجل في اندلاع انتفاضةٍ جديدةٍ، وسيخلق ثورةً واسعةً ومقاومةً شاملةً، تشارك فيها كل القوى، ويشترك في عملياتها كل الفلسطينيين.
يوماً بعد آخر تثبت الضفة الغربية أنها نارٌ تتقد، وجمرةٌ تلتهب، وشعلةٌ ينتقل أوارها من مدينةٍ إلى أخرى على امتداد بلداتها وقراها ومخيماتها، وأنها ليست رماداً سكنَ، ولا ثورةً خمدت، ولا شعباً رُوِّضَ، ولا مقاومة يئست، ولا أرضاً خضعت أو سلطةً سلمت، وأن الرهان على صمتها جهالةٌ، وتوقعَ استسلامها ضحالةٌ، وتحكمَ سلطات الاحتلال بها حلمٌ بعيدُ المنال، وعصيٌ على النوال، وأن الاعتراف بضعفها مستحيلٌ، والخضوع لميزان القوى مرفوضٌ، والإقرار بتفوق العدو غير ممكنٍ، مهما بغا وطغا، وظلم وقتل واعتدى، وقد جرب العدو فيها بأسه وجبروته، واستخدم ضدها كامل قوته ومختلف أساليبه، إلا أنه بقي أمامها ضعيفاً ومنها خائفاً.