تشهد الجزائر السبت انتخابات محلية لاختيار أعضاء المجالس البلدية والولائية، وهو ثالث استحقاق ينظمه الرئيس عبد المجيد تبون منذ وصوله الى السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2019، بعد استفتاء على الدستور وانتخابات تشريعية شهدت مقاطعة كثيفة.
لماذا قرر الرئيس تبون تقديم إجراء الانتخابات المحلية عن موعدها بسنة كاملة؟
كان يُفترض أن تنتهي ولاية المجالس المحلية في آخر العام 2022، لكن الرئيس عبد المجيد تبون قرّر إجراءها بشكل مبكر لتغيير المجالس البلدية والولائية (المحافظات) “حتى تتكيف مع الدستور الجديد” الذي تم الاستفتاء عليه قبل سنة. وقال في خطابه بمناسبة ذكرى اندلاع حرب التحرير في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، إن الهدف هو “بناء مؤسسات الدولة على أسس صحيحة بعيدة عن الشبهات والشوائب”، بعد الاتهامات بالتزوير في كل الاستحقاقات المنظمة خلال 20 سنة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
كما أن المجالس المحلية أساسية في انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) الذين ينتخب ثلثاهم (96) أعضاء المجالس البلدية والولائية، بينما يعين الرئيس الثلث الباقي (48).
وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر نبيلة بن يحيى أن “الانتخابات المحلية فرصة أخرى في عملية البناء الديمقراطي (…) ومحطة سياسية لتجديد الفعل السياسي (…) وتوضح عموما خريطة الوجود الحزبي في الحياة السياسية”.
ما هي الرهانات السياسية للانتخابات المحلية بالنسبة للسلطة؟
تسعى السلطة إلى تحقيق نسبة مشاركة كبيرة على اعتبار أن الناخبين يتجندون أكثر عندما يتعلق الأمر بانتخاب رئيس بلديتهم وأعضاء المجلس البلدي، بعد نسب المشاركة الضعيفة التي شهدها الاستفتاء على الدستور (23,7%) والانتخابات التشريعية في حزيران/يونيو (23%، في أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد).
لكن الأمر بالنسبة لأستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة، ليس سوى “محاولة تجديد واجهات المجالس المحلية من حيث التركيبة البشرية لزبانية السلطة”. وما عدا ذلك، “فإن الرهانات السياسية الحالية لا تخرج عن الشعارات التي تسعى للقول بأن البلد دخل في عهد جديد رغم أن كل المؤشرات تقول غير ذلك”.
ويعتبر أن “السلطة ترى أن الانتخابات هي أقرب للإجراء الذي يحولها الى آلية قهر ضد كل من يطالب بمسار سياسي غير المنطق المفروض”.
ويقلّل المحلل السياسي محمد هنّاد من أهمية هذه الانتخابات على اعتبار أن “رهاناتها السياسية لا تهمّ إلا منظومة الحكم الحالية التي تراها آخر محطة في مسار +التغيير+ حسب تصورها، لكنه مجرد وهم لأن ما بُني على أساس هش لا يمكن أن يدوم”.
هل يمكن ان نشهد نسبة مشاركة أفضل من الانتخابات الماضية؟
رغم ان الرئيس تبون نفسه صرح خلال الانتخابات التشريعية أن “نسبة المشاركة لا تهم”، والمهم هو “مصداقية” الانتخابات، إلا أن السلطة والأحزاب المشاركة تتوقع تحسّن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية.
وخلال التجمعات التي نظمها المرشحون، دعوا أولا إلى التصويت بقوة في الانتخابات قبل الدعوة إلى اختيارهم.
وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي “إننا نعمل على ضمان جميع الظروف لإنجاح الانتخابات المحلية المقبلة وتحقيق نسبة مشاركة معتبرة”.
غير أن رضوان بوجمعة يؤكد أن ذلك لن يحدث “لأن المجتمع يعتقد أن الانتخابات لم تعد آلية (…) لبناء أي عقد سياسي. وهو جوهر النقاش (…)، لأن المشاركين كالمقاطعين لا يملكون مشروعا سياسيا لإعادة الاعتبار للسياسة بعيدا عن اختصارها في ولايات انتخابية دون أي مضمون سياسي”.
ويقول محمد هنّاد “بالنظر إلى التجارب الانتخابية السابقة، لا يبدو أن المشاركة في الانتخابات ستكون هذه المرة قوية”.
ويتساءل “هل السلطة تبحث، أصلا، عن هذه +الشرعية+ الشعبية؟ لا يبدو ذلك ولا أدلّ على ذلك من مقاطعة الاستفتاء على الدستور +أساس الصرح السياسي+ الذي لم يصوّت عليه سوى خُمس الناخبين حسب النتائج الرسمية”.
هل يمكن لمشاركة منطقة القبائل في الانتخابات المحلية أن ترفع نسبة المشاركة؟
ساهم الامتناع شبه الكامل عن التصويت في منطقة القبائل حيث لم تصل نسبة المشاركة الى 1% في ولايتي بجاية وتيزي وزو خلال الانتخابات التشريعية، في تسجيل أدنى نسبة مشاركة في الاقتراع في تاريخ الجزائر خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ورغم مقاطعة حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية المتجذر في المنطقة والذي سيؤثر في نسبة المشاركة، إلا أن بعض مناضليه خالفوا التعليمات وشاركوا كمرشحين مستقلين. وشكّل القيادي السابق في الحزب ياسين أسيوان قائمة أيضا، وهو سيتنافس على منصب رئيس المجلس الولائي.
ويشارك حزب جبهة القوى الاشتراكية الفائز الأكبر في منطقة القبائل في الانتخابات المحلية لسنة 2017، في انتخابات السبت، ما قد يضع حدّا لمقاطعة المنطقة للانتخابات منذ بداية الحراك في شباط/فبراير 2019.
ويرى رضوان بوجمعة أن الحديث عن مشاركة منطقة القبائل “ينطلق من مسلمة أن باقي مناطق الجزائر شاركت في الانتخابات السابقة، رغم أن الأرقام تقول إن مقاطعة الانتخابات هي الواقع الذي ميّز كل الاقتراعات السابقة”.
ويخلص هناد الى القول “لا ندري المستوى الذي ستبلغه مشاركة منطقة القبائل في هذه الانتخابات. فمشاركة جبهة القوى الاشتراكية ليس ضمانة لتوافد الناخبين عن بكرة أبيهم لا سيما أن هذا الحزب، رغم أهميته، لا ينفرد بتمثيل المنطقة”.
المصدر القدس العربي