لم تترك للخوف منفذا إلى قلبها، ولم تستسلم لهاجس التعرض للخطر، فحطمت الأرقام القياسية التي بلغها سابقوها من هواة تسلق الجبال رغم صغر سنها.
وصلت أميمة طراد (23 عاما)، أصغر وأول تونسية وعربية إلى قمة “جبل أرارات” وهو أعلى جبل في تركيا بارتفاع يصل إلى 5137 مترا عن سطح الأرض.
وتروي طراد لـ “سبوتنيك” قصة نجاحها وتألقها اللذين جعلا منها حديث مواقع التواصل الاجتماعي في تونس وخارجها ومصدر فخر لبلدها.
عشق منذ الطفولة
وتستكمل أميمة دراستها في كلية الصيدلة في محافظة المنستير، ورغم الزحام الذي يشغل يومها فهي دائما ما تجد الوقت الكافي لممارسة هوايتها في تسلق الجبال وصعود المرتفعات وبلوغ القمم التي لم تطأها قدم متسلحة بعزيمتها الصلبة وإصرارها الذي لا ينضب.
وتقول أميمة في مستهل حديثها لـ”سبوتنيك” إنها عشقت التجول في الجبال وتسلق قممها منذ كانت طفلة، مستأنسة بخطى والدها الذي كان يشتغل في مجال الحماية المدنية.
وتتابع: “كنت أرافق أبي في عمله، وبينما كان هو يطفئ الحرائق في الجبال كنت أمارس شغفي في السير بين منعرجاتها وتسلق مرتفعاتها ومعرفة أسرارها وعادة ما كان والدي يسابقني”.
وعن علاقتها بالجبل تقول: “هو أجمل ما تراه العين، فهو منفذي إلى السكينة وطريقي إلى المغامرة ورفيقي عند الحاجة، هو الهدوء والنقي حيث لا ضجيج ولا طرقات ولا بنايات ولا تلوث.. الجبل ببساطة قصة عشق”.
ومارست أميمة جميع أنواع الرياضة منذ صغرها، ولكن قلبها سكن إلى رياضة تسلق الجبال التي تستجيب إلى حبها للمغامرة والأدرينالين، فكانت أول وجهة لها هي “جبل توبقال” في المغرب الذي بلغت قمته سنة 2019، لتصبح أصغر تونسية تصل إلى تلك النقطة بعد أن تسلقت 4200 متر.
الطريق إلى “أرارات”
لم يقف طموح المتسلقة الشابة عند تلك النقطة، إذ حصدت مؤخرا لقب أصغر وأول تونسية وعربية تطأ قدمها قمة جبل “أرارات” أعلى قمة جبلية في تركيا بعد أن تسلقت ما يزيد على خمسة آلاف متر.
وتقول أميمة إن رحلتها إلى قمة أرارات لم تكن بالسهلة، فإلى جانب تحدي علوّ الجبل الشاهق جابهت المتسلقة التونسية برودة الطقس وشدة الرياح والثلوج التي أثقلت أقدامها وصعّبت عليها المهمة.
وتضيف: “دامت الرحلة ثلاثة أيام، تمكنت خلالها من بلوغ ارتفاع 3200 متر في اليوم الأول ثم بلغت 4200 متر في اليوم الثاني، لكن التحدي الأكبر كان الوصول إلى القمة في اليوم الثالث والأخير ومجابهة برودة الطقس ونقص الأكسجين”.
وتتذكر أميمة كيف انهارت قواها وهي على بعد عشرة أمتار فقط من بلوغ القمة، بقولها: “كانت القمة نصب أعيني لكنني عجزت عن مقاومة الإعياء قبل أن أتسلح بالعزيمة وأتحدى الخوف الذي بداخلي وأواصل زحفا نحو هدفي”.
وكان أميمة الأولى التي تصل إلى قمة جبل أرارات من بين أربعة متسلقين فقط ممن استكملوا المشوار، رغم أن مجموعة المشاركين من دول مختلفة مثل إسبانيا وتركيا وبولونيا كانت كبيرة.
وصفة النجاح
وتقول المتسلقة التونسية إنها فخورة برفع علم بلادها فوق أعلى قمة جبلية في تركيا وتقدمها خطوة أخرى نحو طموحها في أن تصل إلى أعالي القمم الجبلية في العالم.
وحول وصفة نجاحها، تؤكد أميمة طراد أنها تتلخص في العزيمة والإيمان بالقدرة الذاتية وخاصة تحدي الخوف الذي يسكن بداخل الإنسان ويمنعه من تحقيق أهدافه، مضيفة: “عندما اقتربت من القمة كان أمامي خياران إما الموت أو النجاح وأنا اخترت النجاح”.
وتابعت: “لا يهم كم مرة فشلت في بلوغ هدفك، المهم هو أن تضع حلمك نصب أعينك وأن تنجح في النهاية وتتذكر أنك كابدت كثيرا من أجل تحقيق غايتك، المهم هو أن تجتاز الخوف وتخوض التجربة لأن التراجع يولد الندم”.
وترنو المتسلقة التونسية أن تولي الدولة عناية أكبر برياضة تسلق الجبال في تونس، وأن تصبح رياضة رسمية كما هو الحال في العديد من دول العالم التي يتعلم فيها الصغار تسلق الجبال منذ الطفولة.
تضيف: “تسلق الجبال ليست رياضة رائجة في تونس، رغم بعض المحاولات الحديثة من وكالات الأسفار لإدراج السياحة الجبلية ضمن برنامج جولاتها، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك”.
وتؤكد أميمة أن حلمها يتمثل في الارتفاع أكثر نحو قمم الجبال الشاهقة، لكن المسابقات العالمية تتطلب منها إمكانيات مادية أكبر، لذلك تسعى المتسلقة الشابة من خلال امتهانها للصيدلة إلى كسب المزيد من المال لتحقيق هذا الهدف، فحلم أميمة ليس في أن تعمل بل أن تعمل لتحقق حلمها.
سبوتنيك