أعادت العملية الإرهابية الأخيرة في تونس إلى الأذهان ملف العائدين من بؤر التوتر في كل من سوريا والعراق، واستراتيجية الدولة في التعاطي مع هذا الملف، الذي لا يزال يثير جدلاً مجتمعياً نظراً لحساسيته. وبينما تقدر السلطات عددهم بثلاثة آلاف شخص، تقول مصادر أخرى إن أعدادهم تتجاوز ستة آلاف شخص. فكيف تعاطت الدولة التونسية مع هذا الملف؟ وهل أعدت استراتيجية واضحة لمتابعتهم وإعادة تأهيلهم لدمجهم في المجتمع، خصوصاً مع ما يمثله هذا من علاقة مباشرة بالأمن الوطني للبلاد؟
خطر على الأمن الوطني
ويؤكد العميد السابق في الحرس الوطني، علي الزرمديني، أن “هؤلاء ليسوا مواطنين عاديين بل مقاتلون وإرهابيون”، مبدياً تعجبه من “عدم إعطاء ملفهم اهتماماً كبيراً من قبل الدولة التونسية لأنه يمس الأمن الوطني للبلاد”، ودعا إلى “عدم استقبالهم لأنهم ارتكبوا جرائم خارج حدود الوطن”، داعياً إلى “محاكمتهم في المناطق التي ارتكبوا فيها جرائمهم”، وشدد على “خطورة وجودهم في تونس سواء داخل السجون أو خارجها”.
ولفت إلى “أن وجود هؤلاء الإرهابيين في السجون التونسية سيمكنهم من فرصة إعادة نشر الفكر التكفيري والمتطرف داخل السجون”، محذراً من “تداعيات التعاطي السلبي معهم ومعاملتهم كمواطنين عاديين”. وأضاف أنه “لا توجد استراتيجية واضحة تعتمدها الدولة في التعاطي مع هذا الملف، ولم تُتخذ قرارات بخصوص هؤلاء المتطرفين”، مشدداً على “أن المسالة تتعلق بالأمن الوطني للبلاد”. واعتبر أن “إحالة هؤلاء على القضاء وحدها لا تكفي”، داعياً إلى “تشديد العقوبات عليهم”، مقترحاً “تجريدهم من الجنسية التونسية”، مستبعداً “أن يعودوا إلى رشدهم بعد قضاء عقوبتهم أو يتوبوا”.
محاكمة عادلة
في المقابل، أكد أنور أولاد علي، رئيس مرصد الحقوق والحريات، على “ضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة للعائدين من بؤر التوتر، ومقاضاتهم وفق ما ارتكبوه من جرائم”، مشدداً على “أن الدستور التونسي يمنع تجريد أي مواطن من الجنسية مهما ارتكب من جرائم”. ولفت إلى “أن الحكومة التونسية تغاضت عن الملف الأخطر وهو أبناء هؤلاء العائدين من بؤر التوتر الذين لا يتحملون مسؤولية ما اقترفه آباؤهم، وتُرِكوا يواجهون مصيرهم في عدد من المخيمات بسوريا في ظروف مأساوية”، مشيراً إلى أن “المرصد لديه معطيات موثقة عن 150 طفلاً من أصول تونسية، بينما يتجاوز العدد الحقيقي للأطفال الـ300 طفل موزعين على عدد من المخيمات في سوريا (الهول والأسود وعين عيسى) بينما بقي عدد قليل من النساء والأطفال في ليبيا”. ولفت علي إلى أن “الدولة التونسية تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه هؤلاء الأطفال الضحايا”. وحذر من الانتهاكات التي قد يتعرضون لها كالاتجار بالبشر أو الاستغلال الجنسي، وهو ما يمثل “قنبلة موقوتة بالنسبة إلى تونس”.
وكانت جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج، طالبت رئيس الجمهورية، قيس سعيد، وكل مكونات المجتمع المدني الفاعل إلى التدخل العاجل والإسراع بـ”إنقاذ النساء والأطفال التونسيين العالقين بالخارج في المناطق الخطيرة”. كما دعت في بيان إلى “التعجيل بترحيل النساء والأطفال الأبرياء العالقين في تركيا وليبيا الذين هم رهائن الإجراءات الإدارية المتعثرة”.
الحل القضائي لا يكفي
من جهة أخرى، اعتبر بالعيد أولاد عبد الله، المتخصص في علم الاجتماع، أن “عدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية والقضائية والتفكير في وضع استراتيجية وطنية تقي من العودة إلى الفكر المتطرف من خلال إعادة تأهيل هؤلاء من أجل تيسير إدماجهم في المجتمع”. وشدد على “أن التعهد الاجتماعي والنفسي بهؤلاء يتم بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في غياب واضح لمؤسسات الدولة، عدا بعض البرامج الخصوصية التي تضعها الوزارات المعنية بالأسرة والمرأة والطفولة والتي تعمل على الوقاية من العنف والفكر المتطرف”. وشدد على “خطورة هذا الملف على المجتمع إذا لم يتم التعهد بهؤلاء بعد قضاء فترة سجنهم من خلال برامج خصوصية رياضية وثقافية بالتعاون مع المانحين الدوليين وجمعيات المجتمع المدني”.
تونس اتخذت جميع الاحتياطات
وكان مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية التونسية لمكافحة الإرهاب (هيئة حكومية)، ذكر في تصريحات صحافية سابقة، “أن تونس اتخذت كل الاحتياطات بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة حتى لا يشكل هؤلاء المتطرفون خطراً على الأمن الوطني وعلى السجناء أيضاً”.
وكشف عن أن تونس استقبلت دفعات من الإرهابيين العائدين، بلغ عددهم نحو ألف إرهابي، “أصدر القضاء التونسي ضدهم أحكاماً بالسجن”، لافتاً إلى “أن الإدارة العامة للسجون والإصلاح التونسية اتخذت في شأن هذه العناصر الخطيرة إجراءات خاصة، إذ تم تخصيص قاعات وزنزانات خاصة بهم حتى لا يختلطوا بسجناء الحق العام”.
المصدر independentarabia