كل من يشدّ القضية الفلسطينية نحو اتجاهات تشوِّهها سرعان ما سيجد نفسه منزوع الإرادة، وخاضعا للإملاءات الخارجية، وغير قادر على الدفاع عن أبسط القيم والمبادئ النضالية التي تقوم عليها حركة التحرر الوطني، فواهمٌ كل من يعتقد بأنه قادر على إقناع الاحتلال، أيِّ احتلال، بالتخلي عن وظيفته الاستعمارية، والتراجع عن احتلاله عبر المفاوضات والحوار وحدهما، أو من خلال التغني بالسلام ورفع الشعارات الإنسانية في وجهه، فالاحتلال والحرية قوتان متناقضتان لا يمكن أن تلتقيا إلا عند نقطة الصراع.
الاحتلال لا يمكن أن يخلع جلده لوحده، ولن يتنازل عن صورته الفوقية، وإنما يُنتزع عنه جلدُه بالقوة وحدها، وتتغير ملامح صورته بضربات المقاومة والثورة، فالمفاوضات التي لا تقف على أرضية ثورية صلبة، تبقى مفاوضاتٍ هشة وضعيفة، وستصبّ حتماً في مصلحة الطرف الأقوى.
يجب أن تكون نداً حقيقياً حتى تُحتَرم وتنتصر على أعداءك وتنتزع حريتك، هذا ما علّمتنا إياه الثورة الجزائرية، وكل ثورات العالم التي أنجزت واجباتها، وفي هذا السياق يلعب الإعلام المقاوم، الإعلام الثوري دوره الوطني والقومي والأممي، فالإعلام هو حارس بوابة الوعي والحصانة الفكرية، الإعلام هو حجر الصوان الذي تُشحذ عليه الهمم، ويُسنّ عليه نصل الإرادة، ويمنح الجماهير أفراداً وجماعات اندفاعات معنوية وشحنات ثورية تجعلها قادرة على الصمود والاستمرار في المقاومة تحت وطأة أحلك الظروف قساوة، والتشبُّث بالأمل عند أصعب المحطات الكفاحية، فالعمق القومي للإعلام، خاصة في مثل حالتنا الفلسطينية، هو الذي يغذي الروح الوطنية ويمنحها مزيداً من القوة والإيمان بأن النصر بات قريبا منا مهما طال انتظاره، لأنه يعكس لنا في مرآة العروبة صورة الوحدة القومية والتلاحم الثوري والمصير المشترك لمعركة الخلاص من الاستعمار، ويصهرنا في بوتقة الوعي القومي وكأننا ذات واحدة، ولا نجافي الحقيقة إطلاقاً إذا ما قلنا لكم: إننا نقاتل الاستعمار الصهيوني بروح الثورة الجزائرية، لأن الإعلام الجزائري بمختلف مشاربه الفكرية والسياسية يقف إلى جانبنا بروح الثورة الفلسطينية، وحنجرة المواطن الجزائري، وقبضات أبناء الشعب الجزائري العظيم تصدح بأصواتنا المعذبة، وتطرق أبواب ومسامع العالم بزنود جزائرية حررت الجزائر وهي تمتد نحو فلسطين!
هذا هو التأثير الحقيقي الذي يدقّ جدران زنازيننا بإنسانية ومحبّة، ويجعلنا نستقبله وقوفاً على أقدامنا المكبّلة بالسلاسل والابتسامة ترتسم على وجوهنا، وقلوبنا تخفق كأجراس عيد الميلاد المجيد، فمثلاً هكذا تفاعلنا مع إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأخيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن فتح خزينة الدولة التي تمرّ بضائقة اقتصادية صعبة، لكنها لم تبخل على إمداد الخزينة الفلسطينية الفقيرة أصلاً بمبلغ مائة مليون دولار ليتقاسم معنا شعبُ الجزائر كعادته لقمة العيش الكريم، ويعلن بسخاء وكرامة عن فتح أبواب الجامعات الجزائرية لتقديم ثلاثمائة منحة دراسية للطلبة الفلسطينيين.
شكراً للجزائر الحبيبة، فبهذه الروحية النبيلة لا تزال ثورة الجزائر تنبض في فلسطين، والتعاون الإعلامي المشترَك بين الجزائر وفلسطين هو شريان حياتها، وهنا لابدّ من التأكيد بأن هزيمة الإعلام ستؤدي حتماً إلى زعزعة الثقافة وضرب الوعي الجماعي على مراحل، والخلل في منظومة الوعي الجماعي سيؤدّي بالضرورة إلى تشويه الصورة القومية، وقد كانت ولازالت هذه المنهجية تمثل أهمّ الاستراتيجيات التي قامت عليها الحركة الصهيونية منذ أكثر من مئة وثلاثة وعشرين عاماً، وارتكزت عليها اتفاقية سايكس بيكو منذ العام 1916، النتيجة التي قادت إلى سقوط البعض العربي المعيب في مستنقع التطبيع مع الاحتلال الصهيوني الذي يمارس أبشع أشكال التعذيب والاضطهاد ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ووطنه ومقدّساته.
لا نجافي الحقيقة إطلاقاً إذا ما قلنا لكم: إننا نقاتل الاستعمار الصهيوني بروح الثورة الجزائرية، لأن الإعلام الجزائري بمختلف مشاربه الفكرية والسياسية يقف إلى جانبنا بروح الثورة الفلسطينية، وحنجرة المواطن الجزائري، وقبضات أبناء الشعب الجزائري العظيم تصدح بأصواتنا المعذبة، وتطرق أبواب ومسامع العالم بزنود جزائرية حررت الجزائر وهي تمتد نحو فلسطين!
إن جماعة التطبيع التي تسيطر عليها فكرة المصالح التافهة التي تقايض الكرامة والوطن الراسخ رسوخ التاريخ بمجموعة امتيازات زائلة زوال الإنسان نفسه الذي لطّخ سمعته ودنّس وطنه بآثار أقدام الغزاة، هذه الجماعة القليلة الشاذة في بحر الجماهير العربية الأصيلة ستبقى رهينة القوى الخارجية لن تجد لها مكاناً في صفحات المجد، لأنها صارت سكيناً في غمد الطغاة.
الجزائر الثورة لازالت تعيش فينا، حتى وإن لم نعش يوماً واحداً فيها، وكلما قرأنا عنها قصة، أو جاءنا منها خبرٌ طيّب، اتسعت بطيفها زنازينُنا الضيّقة، وحلقت أرواحُنا فوق أسوار السجن وبنادق السجان، وهي تعانق مفدي زكريا وكل شهداء الجزائر فوق أنقاض سجن “بربروس”، ونهتف معهم: قسما بالنازلات الماحقات…
هنيئاً للجزائر حكومة وشعباً بفوز منتخبها الوطني بكأس العرب الذي تلألأ بين سواعد الأحرار، وهنيئاً لإعلامها الحرّ الذي لا يزال يحرس الكلمة الصادقة التي تعبّر عن نبض الجماهير، وتعكس طموحاتِهم وهمومَهم، وندعوه إلى مزيدٍ من التفاعل مع دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي أثلجت صدورنا ورحّب بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستضافة الفصائل الفلسطينية على طريق تحقيق المصالحة الوطنية، واستلهام العبر من تجربة الثورة الجزائرية العريقة في محطتها الفارقة بين ما قبل وما بعد إنشاء جبهة التحرير الجزائرية، كما ندعو بأمل ومحبة كل القوى والتنظيمات الجزائرية الحرة، وكذلك الجماهير الجزائرية العظيمة إلى ممارسة أعلى أشكال الضغط المعنوي على الكل الفلسطيني بغية انجاز المصالحة الوطنية على قاعدة سلطة شرعية واحدة نحو انجاز الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة انطلاقاً من مربَّع حركة التحرر الوطني، وليس من أيِّ مربَّع آخر.
الجزائر الثورة لازالت تعيش فينا، حتى وإن لم نعش يوماً واحداً فيها، وكلما قرأنا عنها قصة، أو جاءنا منها خبرٌ طيّب، اتسعت بطيفها زنازينُنا الضيّقة، وحلقت أرواحُنا فوق أسوار السجن وبنادق السجان، وهي تعانق مفدي زكريا وكل شهداء الجزائر فوق أنقاض سجن “بربروس” ونهتف معهم:
قـــسما بالنازلات الـماحقات والـدماء الـزاكيات الطـــاهرات
والبــنود اللامعات الـخافقات في الـجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثــرنـا فحــياة أو مـمات وعقدنا العزم أن تـحيا الجـزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا.
المصدر الشروق أون لاين