عمّقت جائحة كورونا العالمية أزمات التونسيين وزادت من منسوب الفقر بالبلاد في زمن قياسي، حيث وجدت العديد من الأسر التونسية نفسها متخبّطة في مربع الفقر، وسط تهديد خطير من اندثار الطبقة الوسطى في السلم الاجتماعي بالبلاد.
قال وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي إن بلاده ستمنح مليونا و100 ألف أسرة مساعدات اجتماعية ضمن إجراءاتها لمكافحة الفقر. وأشار في تصريح صحافي مؤخرا إلى أن 300 ألف أسرة جديدة أصبحت تحتاج إلى مساعدات حكومية بعد جائحة كورونا.
وتؤكد البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية في تونس أنّ نسبة الفقر تُقدر حاليا بـ15.2 في المئة، فيما يُعرّف الفقر من خلال عدم كفاية الدخل وعدم الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والماء والكهرباء والتعليم.
وعزا مراقبون ارتفاع نسبة الفقر إلى هشاشة المنظومة الاقتصادية بالبلاد المدفوعة بتداعيات الجائحة، فضلا عن ضعف الأجهزة السياسية في إدارة الأزمات.
وأفاد المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن “كل الأطراف أجمعت على أن الجائحة ستكون لها تداعيات وخيمة وستمتد لسنوات أخرى”، قائلا “دعونا الحكومات إلى ضرورة تحسين الإجراءات والقرارات في علاقة بالأوضاع المتردية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “التبعات ظهرت بحدّة، وأهمها البطالة والفقر، نظرا لوجود فئات شعبية واسعة في اقتصاد غير منظّم وقطاعات هشّة، علاوة عن قصور القرارات الحكومية التي ساهمت في تعميق الأزمة على غرار الترفيع في أسعار المواد الاستهلاكية، تأخر قدوم التلاقيح وغيرهما”.
وبخصوص الحلول المطروحة للتخفيف من وطأة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، قال بن عمر “الوضع استثنائي ويتطلّب إجراءات استثنائية، وعلى الدولة أن تنظر في مسألة الديون الجبائية وقضايا الفساد والمحسوبية، فضلا عن جبر الاقتصاد الموازي للدخول في المنظومة الاقتصادية في وقت حققت فيه بعض القطاعات أرباحا كبيرة على غرار البنوك وشركات التأمين”.
وسبق أن كشف المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) أن عدد التونسيين تحت عتبة الفقر يقدّر بنحو 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون نسمة، ونسبة الفقر في تونس متغيرة بحسب المناطق والجهات، وتتراوح بين 0.2 في المئة و53.5 في المئة.
ويرى متابعون أن ارتفاع منسوب الفقر واقتراب الطبقة الوسطى من الضعيفة في المستوى المعيشي والاستهلاكي لا يقتصر على تأثيرات الجائحة، بل تتحمّل السلطات جزءا كبيرا من المسؤولية لضعف أدائها في إدارة الأزمة.
وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي في تصريح لـ”العرب”، “رمي المسؤولية على الجائحة الصحية هو هروب من تحمل المسؤولية، لأنه فضلا عن تداعيات الوباء، فإن السياسات المنتهجة من قبل الحكومات ساهمت في رفع الأسعار ومسّت المواد الأساسية وأثرت على القدرة الشرائية للمواطن”.
وأضاف “هناك أخطاء ارتكبتها الحكومة على مستوى تقديرات الموازنة المالية العامة لسنة 2021، والتي جعلتها أمام تحدّيات رفع الدعم خاصة في المحروقات (زيادة 3 مرات في أسعار الوقود)، فضلا عن الخطأ في تقدير نسبة النمو، حيث لا يوجد أي مؤشر يدل على أننا سنصل إلى 4 في المئة”.
وأردف “الدولة اتبعت سياسة نقدية حذرة انعكست على الأسعار”، قائلا “النسبة أكثر من 15 في المئة لأن الدخل المناسب للعيش الكريم في تونس هو 2400 دينار (أكثر من 873 دولارا)، والطبقة المتوسّطة أصبحت فقيرة، ولا بد من إعادة النظر في تحديد نسبة الفقر”.
واستطرد “هناك بوادر احتقان اجتماعي من خلال الشروع في رفع الدعم تدريجيا وارتفاع الأسعار”.
وكشفت دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أنّ نسبة الطبقة الوسطى تراجعت في تونس من 70 في المئة عام 2010 إلى 55 في المئة عام 2015، لتصل في عام 2018 إلى حدود 50 في المئة.
وارتفعت نسبة البطالة في تونس إلى 17.8 في المئة خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية بعد أن كانت في حدود 17.4 في المئة خلال الثلاثي الرابع من العام الماضي، وفق مؤشّرات التشغيل والبطالة للثلاثية الأولى من 2021 نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وبلغ عدد العاطلين عن العمل 742.8 ألف شخص من إجمالي السكان النشطين الذين يفوق عددهم 4.1 مليون شخص، أي بزيادة قدرها 15.7 ألف، مقارنة بالثلاثي الرابع من 2020.
صحيفة العرب