علي بن محمد بن غذاهم الماجري من عرش أولاد مساهل من قبيلة ماجر البربرية ولد سنة 1814 و توفي سنة 1867 بحلق الواد.
شهدت الإيالة أوضاعا سيئة خلال حكم محمد الصادق باي مع انتشار الفقر والخصاصة في صفوف الرعية وفساد رجال الباي فأوشكت البلاد على الإفلاس .إندلعت الثورة عندما قرر الباي مضاعفة المجبى للتقليص في عجز ميزانية الدولة فرفضت القبائل هذا القرار والتي تعاني أصلا من الجفاف وشضف العيش وبدأت الدعوات للثورة فتجمع ماجر حول علي بن غذاهم وأعلنوه باي الشعب الذي بدورة جمع شتات القبائل . مع قدوم الصيف وموسم الحصاد إنطفأت جذوة الحماس وبدأت القبائل تتقاتل فيما بينها فاستغل الباي الفرصة لشراء بعض شيوخ العشائر وقتال ما بقي من قبائل متمردة.
ثورة علي بن غذاهم، هو الاسم الذي أطلق على الثورة الشعبية العارمة التي اندلعت سنة 1864 ضد نظام محمد الصادق باي وقد سميت على اسم قائدها علي بن غذاهم. كان السبب المباشر لاندلاعها هو مضاعفة الدولة لضريبة الإعانة من 36 ريالا إلى 72 ريالا تونسيا، إلا أن لها جذورا أخرى أهمها تنامي النفوذ الأجنبي في البلاد. تمردت عدة قبائل في وسط وغرب البلاد وامتدت الثورة لتشمل عدة مناطق في الساحل والجنوب. دامت الثورة عدّة أشهر لكن قوات الباي تمكنت في نهاية المطاف من القضاء عليها. لاذ باي المتمردين علي بن غذاهم بالفرار إلى مرتفعات غرب البلاد قبل أن يتم اعتقاله في فبراير 1866. مات بسجن حلق الوادي في 10 أكتوبر 1867.
تعتبر التجارب السابقة في تاريخ الشعوب والأمم كنزًا للأجيال التي تسعى للتغيير، وذلك أن هذه التجارب فيها من العبر ومن الدروس ما يجعل التحرك في واقعنا المعاصر مبني على بصيرة بمختلف الصور التي يمكن أن ترتسم أمامنا والتي في كثير من الأحيان تأتي متشابهة مع ما يوازيها في التاريخ، ورغم الاختلاف الظاهر للمكونات المتفاعلة فيها، لكنها في جوهرها متشابهة، إذ لا يتوقع لنفس المقدمات أن تأتي بنتائج مختلفة، وقد تنبه المؤرخ ابن خلدون لهذه الحقيقة مبكرًا.
أدرك أعداء هذه الأمة وهذه الشعوب خطورة هذه الحقيقة، فعملوا على تشويه هذا التاريخ بما يوافق غاياتهم ومصالحهم، عبر قراءته قراءة مختلفة عن واقعه، أو تغييبه عن وعي الأجيال، وذلك بتقديم وجبة تاريخية مشوشة تُحدث نفور الناشئة من أسباب العزة الحقيقية في ماضيهم وتحدث الانبهار الشديد بالمحتل الغاصب، لتتابع الأجيال تحت التبعية تتابعٍ طوعي مقيد بتصوير وهمي عن الذات التاريخية.
لهذا من الضروري لكل أمة تسعى إلى التغيير أن تفتح صفحات التاريخ لتعيد اكتشاف سندها الحضاري، وتتعلم من نجاحات أسلافها في مواطن النجاح، وإخفاقاتهم عند الحياد عن الطريق، حتى تستثمر نقاط قوتها، وتتجنب تكرار أخطائها.
ومن تجارب الانتفاضات التي حدثت في أمتنا انتفاضة علي بن غذاهم سنة 1864 م، إذ تبرز أهمية هذه الانتفاضة أنها جاءت في لحظة تاريخية حساسة جدًا في تاريخ الأمة عمومًا وفي تاريخ تونس خصوصًا، وتكمن حساسيتها أنها مرحلة شهدت فيها الأنظمة الاجتماعية تغييرات عميقة، انعكست على الشعوب، وامتدت نتائجها وتأثيراتها إلى ما بعدها من أحداث وحتى إلى واقعنا المعاصر.