عالم ومفكر إسلامي وأديب وسياسي مغربي ومؤسس حزب الاستقلال، شارك في مقاومة المستعمر ومعركة الاستقلال والتحرر في المغرب والعالم العربي. نفي إلى الغابون قبل أن يفرج عنه عام 1941. توفي عام 1974.
المولد والنشأة
ولد علال ابن المفتي العالم عبد الواحد بن عبد السلام بن علال الفهري الفاسي يوم 20 يناير/كانون الثاني 1910 في مدينة فاس بالمغرب، لأسرة عربية مسلمة عريقة، هاجرت من الأندلس إلى المغرب هربا بدينها من محاكم التفتيش الإسبانية، واستقرت في البداية بمدينة القصر الكبير لفترة من الزمن قبل أن تستقر بشكل نهائي في مدينة فاس.
عرفت هذه العائلة بأسرة بني الجد واشتهرت بآل الفاسي الفهري، وكان علال محلّ عناية كبيرة من والده لكونه ولده الوحيد.
التحق علال الفاسي وهو دون السادسة من عمره بالكُتّاب، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بعد ذلك بإحدى المدارس الابتدائية الحرة التي أنشأها زعماء الحركة الوطنية في فاس، وكانت المغرب آنذاك قد خضعت للحماية الفرنسية سنة ( 1330هـ = 1912هـ) ووقعت في براثن الاحتلال.
ثم انتقل بعد ذلك إلى جامعة القرويين، وهي واحدة من أهم جامعات العالم الإسلامي، تخرج فيها كل زعماء الحركة الوطنية المغربية، وحفظت لبلاد المغرب لسانها العربي وثقافتها الإسلامية.
وبرزت شخصية علال في هذه الفترة وهو لا يزال طالبا، ولفت الأنظار إليه بفصاحته وعذوبة لسانه وقدرته على التأثير في مستمعيه، وجرأته في قول الحق غير هياب ولا وجل، فشارك في الدفاع عن قضية تزويد مدينة فاس بالماء، وكانت سلطات الاحتلال الفرنسي تحاول حرمان السكان منها، وساعد عبد الكريم الخطابي في جهاده ضد الاحتلال الفرنسي، ودفعته همته إلى تأليف جمعية أطلق عليها “جمعية القرويين لمقاومة المحتلين” جمع إليها زملاءه من الطلاب، وظل علال الفاسي على نشاطه الدائب حتى نال شهادة العالمية من جامعة القرويين سنة (1351هـ=1932م) ولم يتجاوز عمره الثانية والعشرين.
وفي غمرة مقاومة الشعب المغربي للعدو الغاصب الذي كان لا يمل من التفكير في وضع خطة ماكرة يسيطر بها على البلاد، ويلتقط أنفاسه اللاهثة حتى يحكم قبضته عليها، وهداه تفكيره إلى ضرورة الوقيعة بين العرب والبربر، فأصدر قرارا عرف بالظهير البربري يهدف إلى فصل الأمة إلى فريقين، فجعل البربر غير خاضعين للقانون الإسلامي في نظام الأسرة والميراث، ودعا إلى إقصاء اللغة العربية من مدارس البربر، وأن تكون البربرية والفرنسية هما أداة التعليم، وكان الهدف من وراء ذلك فَرْنسة المغرب لغويا وسياسيا، وتعليم البربر كل شيء إلا الإسلام.
ولم يقف علال الفاسي مكتوف اليد إزاء هذه التدابير الماكرة، فقام بإلقاء الخطب والدروس يعرّف أهل وطنه بحقيقة ما يدبر لهم بالخفاء، ويثير الحمية في نفوسهم ويطالبهم بالثورة والاحتجاج، وكان لصدق لهجته أثر كبير في استجابة الناس له، وخرجت المظاهرات الحاشدة تندد بهذه السياسة الخبيثة، وكان الخطباء في المساجد يختمون كلماتهم بهذا الدعاء “اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، وألا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر”.
وقابل المحتل الفرنسي هذه المظاهرات بعنف بالغ، واعتقل كثيرا من المتظاهرين، وكان من بينهم علال الفاسي، غير أن المظاهرات زادت حدة وضراوة، واحتج البربر أنفسهم على هذه السياسة وقاوموها بشدة، ولم يجد الحاكم الفرنسي بدا من الإفراج عن علال الفاسي والتخلي عن الإجراءات التي أعلنت بخصوص البربر.
وبعد خروج علال الفاسي من السجن بدأ رحلة جديدة لتوعية الناس بإلقاء الدروس والمحاضرات التي تتناول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، مقارنا بين حالة المسلمين الأوائل وواقع إخوانهم المعاصر، وقد جذبت هذه الدروس اهتمام المغاربة من الرجال والنساء، ولم يكتف بهذا، فاختار نخبة من زملائه وأوفدهم إلى شتى القرى لنشر الوعي والأفكار الصحيحة وتأجيج الشعور الوطني.
ووقفت الإدارة الفرنسية من هذا النشاط الموفور موقفا عدائيا، ورأت في هذه المحاضرات مظاهرات سياسية قومية، فحاولت منعها بكل السبل، ولم تجد وسيلة إلى ذلك سوى القبض على علال نفسه ونفيه إلى خارج البلاد، وكانت جهود المحتل قد فشلت في احتواء علال بإغرائه بالمناصب الرفيعة، حيث عرض عليه أن يكون وزيرا للعدل في مراكش، لكنه رفض أن يعمل تحت حكم استعماري دخيل.
وبعد أن أصدر المحتل الفرنسي قرارا باعتقال علال الفاسي حمل في (28 من شعبان 1356هـ= 3 من نوفمبر 1937م) في طائرة خاصة إلى منفاه بالجابون، وكانت مستعمرة فرنسية في إفريقيا الاستوائية.
وظل في منفاه تسع سنوات حيث أودع زنزانة مظلمة عانى فيها آلام الوحدة والغربة، ولم يُسمح له بالحصول على مصحف يقرأ فيه إلا بعد عام ونصف من الاعتقال.
ولم يعد إلى وطنه إلا في سنة (1366هـ= 1946م) ليواصل أداء دوره الناهض، وكانت البلاد تحت رعاية سلطان وطني هو السلطان محمد الخامس، الذي شاء أن يواجه الاحتلال فأعلن استقلال البلاد، لكن إقامته لم تطل فسافر إلى فرنسا، وكتب في الصحف هناك داعيا إلى استقلال بلاده، ثم غادر فرنسا وزار عددا من البلاد العربية، ثم ألقى عصاه في القاهرة التي أحسنت استقباله، وظل مقيما بها حتى نال المغرب استقلاله؛ فعاد إلى بلاده سنة (1377هـ= 1957م).
لم يكن السي علال يخاف الموت، فهو لم يكن يخشى نهايته مادام يشعر بأنه يقوم بواجبه الوطني والديني، ويتذكر المقربون منه حادثة ما تزال راسخة في ذاكرتهم وهي محاولة اغتياله أثناء إقامته في القاهرة في أوائل الخمسينات حيث أرسل طرد بريدي باسمه ، وبعد أن رفض تسلمه انفجر بعد بضع دقائق .