مريم شديد من مواليد 11 أكتوبر 1969م بالدار البيضاء، هي باحثة وفلكية مغربية في مرصد “كوت دازير” القومي الفرنسي، كما تعمل أستاذة بجامعة نيس الفرنسية. تعتبر مريم شديد أول عالمة أنثى تصل إلى القطب الجنوبي. كانت شديد ضمن فريق عمل علمي مهمته وضع منظار فضائي يهدف إلى قياس إشعاع النجوم في القطب المتجمد الجنوبي. مريم شديد هي ثاني أصغر فرد في أسرتها المتكونة من ستة إخوة والأبوين، ترعرعت هي وإخوتها في الحي الشعبي درب السلطان، كان أبوها يعمل حداد بأحد أحياء الدار البيضاء بينما كانت أمها مهتمة بالخياطة والطبخ.
مسارها الدراسي بدأ مند الصغر عندما ولجت مدرسة الفكر العربي الموجودة بأحد زقاق حيها حينها لم يكن يتجاوز عمرها الخامسة، بعد ذلك انتقلت إلى التعليم الابتدائي وبالضبط بمدرسة المزرعة الخاصة بالبنات فقط، ثم إعدادية المنصور الذهبي قبل أن تلتحق بثانوية صلاح الدين الأيوبي للبنات أيضا.
حصلت خلال مسيرتها الدراسية على إجازة في الفيزياء من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ثم انتقلت إلى فرنسا لتلاحق حلمها ونالت دبلوم الدراسات المعمقة في علم الصورة في العلوم الكونية عام 1993، وبعدها بثلاث سنوات حصلت على الدكتوراه من جامعة نيس بدرجة مشرف جدا، عن أبحاثها التي اكتشفت فيها موجات الصدمة، التي تفوق سرعتها الصوت في النجوم المتغيرة، وشرحت أصلها.
تحدت الصعوبات وحصلت على دكتوراه بامتياز في علم الفلك بفرنسا، وجرى اختيارها في أول فريق دولي يسافر إلى تشيلي لإقامة أكبر تلسكوبات في العالم، وفي نيس جنوب فرنسا تتجدد الأحلام.
من المحطات الهامة والصعبة في حياتها العلمية، مكوثها أربع سنوات في صحراء أتاكما بالتشيلي. تروي تجربتها في أحد تصريحاتها قائلة: “عشنا قساوة الظروف المناخية: جفاف قل نظيره، الحياة منعدمة إذ لا وجود للنبات والحيوانات والأمطار، لكن كان هناك أكبر تلسكوب في العالم.”
في عام 2002 عادت إلى فرنسا ليتم اختيارها برتبة عالمة فلك وطنية، وهي رتبة يحصل عليها اثنان كل عام من بين أكثر من 300 مرشح، وعلى إثر تعيينها بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي مهندسة فلكية، والذي يضم أضخم التلسكوبات، رغم أنه لم يكن متاحا إلا لعلماء الفلك الحاملين لجنسيات أوروبية وأمريكية ليعملوا ضمنه، وبهذه المناسبة قال زوجها عالم الفلك ومدير أبحاث المركز الوطني للبحوث العلمية، جون فيرنن: “أمر صعب جدا أن تفوز بوظيفة في القطاع العام، ويعتبر تحديا كبيرا بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص لأنه في مثل هذا النوع من الأبحاث هناك وجود للرجال بنسبة 80 بالمائة، بينما النساء نسبتهم محدودة.”
يقول مدير مؤسسة أبحاث القطب الجنوبي، جرارد جدجي، إن “مريم امرأة متطوّعة إلى حد بعيد، وكانت متحمسة للذهاب إلى القطب الجنوبي، ومجتهدة جدا في الموقع، وبعض المشاريع المطبقة حاليا تعتمد على ما أنجزته من عمل هناك.”
تمتاز مريم بطاقة متجددة عالية، وهي متحمسة لكل عمل يصب في مصلحة العلم، إذ قامت بتركيب تلسكوب على القمر الصناعي “كوروت” في 27 دجنبر 2006، والذي يقوم بدراسة الزلازل وذبذبات النجوم، واكتشاف بعض النجوم والكواكب خارج المجموعة الشمسية، وعندما سألها زميل لها يعمل في وكالة الفضاء الأمريكية “الناسا” عن إذا كان لها اهتمام بالذهاب في بعثات إلى المريخ، مجيبة بأنها جاهزة لأي مهمة بدون تردد.
خُلِّد اسم مريم شديد بين النجوم كأول عالمة فلك في العالم تصل في بعثة فلكية إلى قلب القطب الجنوبي المتجمد، ولم يصل أي عربي هناك قبلها.
تصف مريم فرحتها بهذا الإنجاز قائلة: “عندما وصلت إلى هذا المكان كعربية ومغربية كنت فرحة بهذا، خاصة أننا كنا فريقا من مختلف الجنسيات، وكان بالنسبة لي محط افتخار واعتزاز أن أكون امرأة عربية مشاركة أيضا، وكذلك وصولي هناك يعتبر رمزا لحرية المرأة، إذ أردت أن أشير إلى التحرر التي تعيشه المرأة اليوم عن السابق.”
أرادت أن تضع شيئا عربيا يغرس في قلب القارة المتجمدة، ليحيي ذكرى من مرّوا هناك، فدفعتها روحها الوطنية وانتمائها لبلدها الأم أن تحفر علم المغرب في عمق الجليد، كأحد أصعب الأماكن صعوبة في الوصول إليه، وبرودة في العالم التي تهبط فيها الحرارة إلى 80 درجة تحت الصفر، رغم أنها ذهبت في مهمة استكشافية تمثل فيها المرصد الوطني الفرنسي.
لم يكن العلم المغربي الشيء الوحيد الذي حملته معها إلى رحلتها المتجمدة، بل أيضا نقلت معها ثقافة بلدها، وهيأت لزملائها طبقا من الكسكس المغربي والذي أثار إعجابهم رغم الظروف المناخية الصعبة التي كانوا فيها.
خلال حديثها ظلت مريم شديد، تتخلى، بين وقت وآخر، عن علم الفلك لتتحدث عن ما يشغل بالها كأنثى نجحت بإصرارها وتعلقها بحلمها في أن تعطي مثالا جميلا ونموذجاً فريداً من نوعه لما يمكن للمرأة المغربية والعربية أن تقدمه لبلدها وللعالم.