الشيخ محمد المقراني، هو أحد قادة الثورات الشعبية في منطقة القبائل التي شهدتها الجزائر في القرن التاسع عشر الميلادي بعد الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830. محمد المقراني هو ابن أحمد المقراني أحد حكام (قائد) منطقة مجانة (الهضاب العليا). وبعد وفاة الأب عيّن مكانه أبنه محمد المقراني لكن بلقب منحته إياه السلطات الفرنسية والذي كان “باشا آغا” وامتيازاته أقل من امتيازات أبيه.
ينحدر من زعماء سلطنة بني عباس القبائلية (القرن السادس عشر-التاسع عشر)، من آخر سلطان حفصي في بجاية، أبو العباس عبد العزيز.
يأتي لقب مقراني من الكلمة القبايلية أمقران («كبير»، «زعيم»)، أصبح لقب السلالة الحاكمة من أحمد أمقران، زعيم بني عباس من 1556 إلى 1596.
أحمد مقراني، والد محمدعدل
والد محمد هو أحمد المقراني (توفي في عام 1853)، زعيم بني عباس من 1831 إلى 1853.
ابن أخ المقراني عبد الله بن بوزيد (توفي في 1830)، أحمد مقراني في منافسة مع قريب بعيد، عبد السلام (توفي في 1847)، خليفة عبد الله، الذي شغل العرش في 1830-1831. ثم تحالف أحمد مقراني مع باي قسنطينة، أحمد باي، ونجح في هزيمة عبد السلام، الذي تم أسرته. هرب عبد السلام في وقت الاستيلاء على قسنطينة من قبل الفرنسيين في عام 1837، واستعاد السيطرة على سهل مجانة، في حين لا يزال أحمد في معقل البيبان، بقلعة بني عباس.
لم تتوقَّف المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي منذ بداية الاحتلال عام 1830، وحتّى نالت البلاد استقلالها الكامل عام 1962. تجاوزت الثورات الجزائرية على المحتلّ الفرنسي 10 ثورات، دفع خلالها أبناء الشعب الجزائري أثماناً باهظة في الأرواح والخسائر.
كان الاحتلال الفرنسي للجزائر من أسوأ الاحتلالات وأكثرها همجيّة وعنفاً، اشتملت سياسات الاحتلال الفرنسي في الجزائر على التهجير القسري للمواطنين الجزائريين الذين يعترضون على سياسة الاحتلال، ونفي ما يتبقّى من المقاومين منهم بعد سحق الثورات والتمردات التي تطالب بحقوق الشعب الجزائري، وهذا ما حدث تماماً بعد سحق ثورة الشيخ محمّد المقراني واستشهاده، فقد تمّ نفي المتبقي من المشاركين في الثورة إلى جزيرة كاليدونيا في جنوب غرب المحيط الهادئ.
في عام 1870 رمى الشيخ محمد المقراني عصاه من يده أمام الجموع الغفيرة في منطقة مجانة، قائلاً: “سنرمي فرنسا كما أرمي عصاي هذه!” بعدها بشهورٍ قليلة استقال في فبراير/شباط من منصب باش آغا المنطقة، وعقد اجتماعاتٍ مع رجاله وكبار قادة المنطقة، لتبدأ الثورة في شهر مارس/آذار من العام نفسه.
زحف الشيخ محمد المقراني بجيشٍ قوامة 7 آلاف مقاتل إلى مدينة برج بوعريريج، ليحاصرها وليضغط بذلك على الاحتلال الفرنسي.
كان حصار المدينة بمثابة الشرارة التي انتشرت من خلالها الثورة في بقية مناطق الشرق الجزائري، وما إن توسّعت الثورة حتّى بدأ الشيخ المقراني في تكوين تحالفات مع زعماء جزائريين آخرين، فتوجّه للتحالف مع الشيخ الحداد وجماعة الإخوان الرحمانيين الصوفية، ومن خلال إعلان الشيخ الحداد الجهاد فقد تمّ تجنيد الجزائريين.
كان أبرز قادة الثورة المقرانية هو الشيخ محمد المقراني نفسه، وأخوه بومرزاق، وكذلك محمد أمزيان بن الشيخ علي الحداد قائد الرحمانيين.
استطاع الثوار الجزائريون تحقيق عدّة انتصارات في بعض المعارك مع الفرنسيين، ووفقاً لما ذكره الدكتور علي الصلابي في كتابه “كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي”، كانت أعداد الرحمانيين 120 ألف مقاتل، بينما كانت قوات المقراني 25 ألف مقاتل. زادت رقعة الثورة حتّى وصلت العاصمة الجزائرية، لكنّ قوّات الاحتلال كانت تعمل أيضاً على إفشال الثورة.
القضاء على الثورة ونفي من تبقّى من الثوّار
انتهت الثورة باستشهاد قائدها في شهر مايو/أيار عام 1871، أي بعد شهرين تقريباً من ثورته التي أراد من خلالها أن “يرمي فرنسا كما يرمي عصاه”. اغتيل الشيخ محمد المقراني، واختلف المؤرخون حول طريقة اغتياله، فيقال إنّ بعض العملاء الفرنسيين أطلقوا عليه النار، بينما يذكر بعض المؤرخين الآخرين أنّ خادمه قتله أثناء أدائه صلاة الظهر بإيعازٍ من قوات الاحتلال الفرنسية.
حقّقت قوات الاحتلال الفرنسية ضربةً كبرى بالقضاء على رأس الثورة. فبعد استشهاده واصل أخوه بومرزاق الثورة، لكنّ سلطات الاحتلال استغلّت بعض المشاحنات واستطاعت أن تقسم معسكر الثورة. وبعدما خاض بومرزاق عدّة معارك أخرى -بعدما انسحب الإخوان الرحمانيون- هزم في معركة بالقرب من قلعة بني حماد، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1871، أي بعد 5 أشهر من اغتيال أخيه.
بعد هزيمته انسحب إلى الصحراء، لكنّ قوّات الاحتلال الفرنسي استطاعت تحديد مكانه وألقت القبض عليه، ونفي إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادئ.
بعدما انهزم بومزراق في معركة بالقرب من قلعة بني حماد، في أكتوبر/تشرين الأول 1871، اتجه إلى الصحراء، لكن اكتشف أمره وألقي عليه القبض ونُفي إلى كاليدونيا الجديدة.
بهزيمة بومرزاق، شمّر الاحتلال الفرنسي عن ساعديه وأعدم الكثير من المشاركين في الثورة، كما استولوا على أراضي الكثير ممن شاركوا في هذه الثورة، كما فرضوا على القبائل المشاركة في الثورة ضرائب جديدة، وبعد كلّ هذه الإجراءات جاءت سياسة التهجير القسري والنفي إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة، ومن ضمن من نفي إلى هناك بومرزاق المقراني، أخو محمد المقراني، وعزيز ومحمد ابنا الشيخ حداد قائد الإخوة الرحمانيين.
تقع جزيرة كاليدونيا جنوب غرب المحيط الهادئ، ومن الجزائر بدأ الثوار المنفيون من ميناء الجزائر رحلتهم القاسية عبر طريق رأس الرجاء الصالح -بالالتفاف حول إفريقيا- ليصلوا في النهاية إلى المعسكرات الفرنسية في تلك الجزيرة النائية عن وطنهم آلاف الكيلومترات.