بينما كان فيروس SARS-CoV-2 سببا في تفشي جائحة “كوفيد-19″، التي أودت بحياة الملايين حول العالم، ساعدت بعض الفيروسات في إنقاذ أرواح كثيرة.
ورغم أن الأمر قد يبدو غريبا، يعمل العلماء على إيجاد فيروسات تساعد في إنقاذ العديد من الأرواح. وفي مختبر بالعاصمة الجورجية تبليسي، يدرس العلماء الصراع من أجل البقاء بين البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والفيروسات المفيدة.
ويشار إلى أن جورجيا كانت رائدة في البحث عن طريقة فعالة لمعالجة الكابوس الذي يلوح في الأفق، المتمثل في أن تصبح البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية التي يعتمد عليها العالم.
وفي العديد من البلدان الغربية، تُستخدم العاثيات، وهي مجموعات من الفيروسات التي تقتل البكتيريا، في بعض أكثر الأمراض فتكا. ومن بينهم امرأة بلجيكية عانت من عدوى خطيرة تهدد حياتها بعد إصابتها في هجوم بقنبلة على مطار في بروكسل (بلجيكا) عام 2016.
وبعد عامين من العلاج الفاشل بالمضادات الحيوية، استطاعت الفيروسات القاتلة للبكتيريا المرسلة من تبليسي علاج هذا المرض والعدوى في 3 أشهر فقط.
وأكدت الخبيرة مزيا كوتاتيلادزي من معهد Eliava Institute of Bacteriophages في تبليسي أن الأطباء يستخدمون العاثيات لقتل البكتيريا الضارة، لعلاج المرضى عندما لا يجدي استخدام المضادات الحيوية.
وتحذر كوتاتيلادزي من أنه حتى البكتيريا الشائعة يمكن أن تقضي على حياة المريض عندما يكون العامل الممرض مقاوما للأدوية. وفي مثل هذه الحالات، يعد استخدام العاثيات أحد أفضل الخيارات.
ويعرف العلماء عن العاثيات منذ قرن من الزمان، لكن وقع نسيانها وتجاهلها بعد ثورة المضادات الحيوية في ثلاثينيات القرن الماضي.
وفي سياق إعلان منظمة الصحة العالمية (WHO) أن مقاومة العقاقير تمثل أزمة صحية عالمية، تم استغلال العاثيات مرة أخرى، خاصة عندما يمكنها قتل البكتيريا دون التأثير على خلايا جسم الإنسان.
ووجدت دراسة حديثة أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكن أن تقتل 10 ملايين شخص سنويا حيث تصل مقاومة المضادات الحيوية إلى ذروتها خلال العقود الثلاثة القادمة. على الرغم من أن العلاجات القائمة على العاثيات لا يمكن أن تحل محل المضادات الحيوية، إلا أن العلماء يقولون إن لها ميزة كبيرة تتمثل في كونها رخيصة الثمن، ولا تسبب آثارا جانبية أو تلحق الضرر بالأعضاء والأنظمة المعوية.
وكشفت الدكتورة ليا ناداريشفيلي، طبيبة في معهد Eliava Institute of Bacteriophages، أن الباحثين ابتكروا ست عاثيات نموذجية لها نطاق واسع من النشاط ويمكنها علاج العديد من الالتهابات البكتيرية. ومع ذلك، فإن هذه الفيروسات ليس لها تأثير علاجي على 10-15% من المرضى، لذلك يتعين عليهم إيجاد تلك القادرة على قتل سلالات معينة من البكتيريا.
ويمكن اختيار العاثيات المستخدمة لعلاج بعض الأمراض المعدية من المجموعة الواسعة، التي تتم دراستها في معهد Eliava Institute of Bacteriophages، وهو أيضا الأكثر انتشارا في العالم، أو من التربة والنفايات والمياه الملوثة. حتى أن المعهد كان قادرا على “تدريب” العاثيات على قتل المزيد من البكتيريا الضارة. وطريقة العلاج هذه رخيصة وفي متناول اليد.
وقال مهندس ميكانيكي أمريكي يبلغ من العمر 34 عاما، ويعاني من مرض بكتيري مزمن منذ ست سنوات، لوكالة “فرانس برس” إنه “يشعر بالتحسن” بعد أسبوعين فقط من العلاج في معهد تبليسي.
وكل عام يأتي مئات المرضى من جميع أنحاء العالم إلى جورجيا مثل أندرو للبحث عن الأمل الأخير في العلاج.
ووفقا للخبيرة كوتاتيلادزي، فإنه مع استنفاد مستودع الدفاعات التقليدية المضادة للميكروبات بسرعة، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات السريرية حتى تتم الموافقة على طريقة العلاج بالعاثية على نطاق واسع.
وفي عام 2019، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على دراسة سريرية لاستخدام العاثيات في علاج الالتهابات الثانوية لدى مرضى “كوفيد-19”.
وإلى جانب آثارها العلاجية في الطب، تُستخدم العاثيات أيضا في الزراعة لحماية المحاصيل والحيوانات من البكتيريا الضارة.
وأجرى معهد Eliava Institute of Bacteriophages بالفعل بحثا حول استخدام العاثيات لمحاربة البكتيريا الضارة بالأرز والقطن.
وفي دراسة نُشرت في عام 2017، اكتشف العلماء الكنديون أن العاثيات تمتلك أيضا القدرة على مكافحة الأسلحة البيولوجية ومنع الإرهاب البيولوجي، مثل خطر هجوم الجمرة الخبيثة في الأماكن المزدحمة.
المصدر: phys.org