في ليلة 20 إلى 21 أبريل/نيسان 1808، وُلد الابن الثالث للويس بونابرت (1778-1846) وهورتنس دي بوهارنيه (1783-1837) في باريس؛ فهذا الطفل هو ابن شقيق نابليون الأول من والده، وهو أيضا حفيد الإمبراطورة جوزفين من والدتها، كانت هورتنس هي زوجة نابليون بونابرت الأولى.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوبوان” (lepoint) الفرنسية، يقول الكاتب بودوين إسكاباس، إن شجرة عائلة نابليون الثالث المستقبلية مثيرة للغرابة؛ حيث إن هناك العديد من الشكوك التي تحوم حول نسبه؛ فلن يحصل على الاسم الأول لتشارلز لويس نابليون إلا بعد شهر من ولادته ولن يتم تعميده حتى عام 1810، فهل هو فعلا ابن الملازم الفرنسي، الذي أصبح فيما بعد أيضًا ملك هولندا، مثلما تقول حالته المدنية.
لغز أصله الغامض
يؤكد الكاتب أن هذا السؤال ظل يزعج لويس بونابرت نفسه منذ أن علم بحمل هورتنس؛ فقد كان الأخ الأصغر للإمبراطور يتشكك في أنه والد هذا الطفل منذ أن كان غائبًا لعدة أسابيع عندما حملت به زوجته؛ حيث إنه في صيف عام 1807، لحظة الحمل، كانت هورتنس تسافر في الجنوب الغربي، بينما كان لويس يقيم في باتافيا.
ويقول المؤرخ إيريك أنسو “في ذلك الصيف؛ يشاع أن المرأة الشابة واعدت العديد من الرجال الذين سحرتهم بجمالها ولن يعرف لويس الحقيقة أبدًا”، بحسب ما قاله كاتب المقال.
ولادة في غراند بوليفارد
وبين الكاتب أنه لم يتم سوى التأكد من مكان ولادة نابليون الثالث المستقبلي؛ فهناك العديد من الشهادات بخصوص هذه الليلة التي امتدت من 20 إلى 21 أبريل/نيسان 1808 عندما ولد طفل هورتنس عند حوالي الساعة الواحدة صباحًا بعد فترة حمل صعبة وليلة من المعاناة؛ وأنجبته في المنزل، كما هي عادة الولادات في ذلك الوقت.
وكان لويس وهورتنس يعيشان -بحسب ما قال إسكاباس في مقاله- في قصر جميل يقع في شارع سيروتي (شارع لافيتي حاليًا)، في الدائرة التاسعة من باريس، وهو المبنى الذي تم تدميره في شتاء عام 1899، وإنشاء شارع بيلي ويل في وسط الحديقة لخدمة المباني التي أقيمت على أرضها بين عامي 1901 و1910.
ويشير الكاتب إلى أنه لحسن الحظ؛ فقد خلد المصور يوجين أتجيت المبنى قبل هدمه مباشرة، وتم حفظ الصور التي التقطها يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 1899 في المكتبة الوطنية؛ وبالتالي تساعد هذه الصور في الحصول على فكرة عن البيئة التي تطور فيها الشاب نابليون الثالث.
شبهات حول النسب
ويلفت الكاتب إلى أنه فيما يتعلق بالنسب المشكوك فيه للطفل، كان على نابليون الثالث طوال حياته، أن يعاني من هذا الشك الشديد بشأن نسبه.
ويقول الكاتب “لفهم مفتاح هذا اللغز الذي يشغلنا، يجب أن نعود إلى 5 مايو/أيار 1807″؛ موضحًا أنه في ذلك اليوم أصيب الابن الأكبر للويس وهورتنس، نابليون تشارلز، المولود في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1802، بمرض (ربما الدفتيريا) وهو ما أودى بحياته.
ويتابع الكاتب أنه في ذلك الوقت؛ عبر كل من الزوج والزوجة عن حزنهما بشكل مختلف؛ ففي يونيو/حزيران، غادر الزوج إلى هولندا، حيث جعله شقيقه ملكًا في عام 1806، بينما لجأت الزوجة إلى الموسيقى، وتُركت هورتنس لوحدها في باريس؛ حيث ظلت تؤلف قصائد حزينة، لكن هذا النشاط لم يواسيها؛ لذلك قررت تغيير رأيها بزيارة إقليم البرانس العليا.
ويستطرد الكاتب أنه خلال هذه الرحلة حملت هورتنس بطفلها؛ متسائلا “لكن من كان والده؟” ليؤكد أنه لا يمكن للمؤرخين الاتفاق على إجابة هذا السؤال؛ فقد تم نسبه إلى 6 أشخاص، بما في ذلك نابليون الأول نفسه؛ ففي يوليو/تموز 1807 عندما كانت هورتنس -التي هجرها زوجها- تقيم في الجنوب الغربي؛ قامت برحلة إلى سيرك دي جافارني مع صديقة لها والتي أكدت أن هورتنس أخذت معها مرشدًا من جبال البرانس لاستكشاف المناطق المحيطة بالجبل المفقود وأنهم استغرقوا وقتًا طويلًا للعودة.
ويقول الكاتب إنه على أمل الكشف عن السرية المحيطة بأبوة مؤسس الإمبراطورية الثانية؛ طلبت جمعية “تذكار نابليون”، وهي جمعية تاريخية فرنسية، من البروفيسور جيرار لوكوت، مدير معهد الأنثروبولوجيا الجزيئية في باريس، تحليل الحمض النووي المأخوذ من خصلة شعر نابليون الثالث.
التحاليل الجينية
ويبين الكاتب أنه من خلال مقارنة هذه الشعرة مع الحمض النووي لأفراد آخرين من العائلة الإمبراطورية؛ فقد تم التعرف على الابن الطبيعي المعترف به لنابليون الثالث، واستطاع جيرار لوكوت تقديم استنتاجاته حول هذا الموضوع، في المتحف العسكري في الثاني من ديسمبر/كانون الثاني 2013، ولم يتم استئنافها.
ويشير إلى أنه إذا كان لدى نابليون الثالث خاصية الحمض النووي لسكان كورسو سردينيا، فهو لا يرتبط، من الناحية الجينية، بنابليون الأول، ومع ذلك؛ فإن هذا الاستنتاج لا يسمح بالتأكيد على أن تشارلز لويس نابليون (نابليون الثالث) ليس الابن البيولوجي للويس بونابرت، ولكن لا يمكن استبعاد أن يكون لهذا الأخير (لويس بونابرت والد نابليون الثالث) والدًا مختلفًا عن والد نابليون بونابرت الأول أو إخوته لوسيان وجيروم.
من كانت غير مخلصة، ليتيزيا أم هورتنس؟
ويتساءل الكاتب: هل كان لوالدتهم ليتيزيا (أي جدة نابليون الثالث لأبيه) علاقة خارج نطاق الزواج؟ متابعًا بذكر ما قاله إريك أنسو في كتاباته من أنه في وقت ولادة لويس (والد نابليون الثالث) عام 1778؛ كانت تعليقات ضباط الحامية الفرنسية في جزيرة كورسيكا معروفة ومنتشرة، وكانت العلاقة بين ليتيزيا بونابرت مع الملازم شارل لويس دي ماربوف موضوع جميع المحادثات.
ويستمر الكاتب فيقول إن حاكم الجزيرة أصبح الأب الروحي للطفل، بعد 15 يومًا من ولادته، مبينًا أنه حسب تقديرات إريك أنسو فإنه “في حالة عدم وجود بقايا قابلة للاستغلال للملك لويس، فسيكون من الضروري أخذ عينة من رفاته المدفون في سرداب في إقليم فال دواز”.
ويوضح الكاتب في النهاية أن هذا لا يقلق أنصار بونابرت، فهذا التنازع في أصله لا يشكك في حقيقة بنوته، وفي الواقع؛ فقد تبنى نابليون الأول هورتنس، مما يجعل ابنها حفيده بالتبني.
ونقل الكاتب عن الأمير تشارلز أوغست، دوق مورني، ما يحسم الأمر؛ فقد لخص هذا الأخ غير الشقيق لنابليون الثالث، المولود في عام 1811، المسألة بذكاء عندما قال “لدي جد أسقف، وأم ملكة، وأخ إمبراطور وعلاقتي بهم طبيعية”؛ حيث يعلق الكاتب على ذلك بقوله “إنه يعرف ما يتحدث عنه لأنه ثمرة علاقة غير شرعية مثبتة بين هورتنس والقائد العسكري تشارلز أوغست دي مورني”.