لم تعد أم خلف، مثل العديد من السكان، تهتم بمدى صلاحية المياه للشرب أو ما إذا كانت مالحة من الآبار المحلية التي حفرها البعض أمام منازلهم في المدينة.
وللعام الخامس على التوالي، تواصل تركيا قطع المياه عن محطة علوك، التي تعتبر المصدر الوحيد والرئيسي الذي يزود المياه لمليون مواطن سوري يسكن مدينة الحسكة.
وفي الوقت الذي تصل فيه درجات الحرارة صيفا في الحسكة إلى أكثر من 44 درجة مئوية، تستقبل المستشفيات يوميا أكثر من 50 حالة إصابة بالكوليرا والالتهابات المعوية والحصبة بسبب نقص المياه.
قطع المياه عن المواطنين جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف المتعلقة بوضع المدنيين في زمن الحرب، لكن تجاهل الأمم المتحدة لما يحدث هو سيد الموقف.
عقاب جماعي بحق أهالي الحسكة
ومنذ تشرين الأول 2019، توقفت عملية ضخ المياه من محطة علوك التي يسيطر عليها الجيش التركي والفصائل الموالية له أكثر من أربعين مرة.
إضافة إلى ذلك، لم تصل المياه إلى مدينة الحسكة وريفها منذ أكثر من عام ونصف، باستثناء ما مجموعه 60 يوماً، بشكل متقطع.
وبين آذار/مارس وأيار/مايو من العام الجاري، أبدت تركيا مرونة غير عادية في هذا الملف، بقبولها تشغيل المحطة، من دون اشتراط تزويد المناطق التي تحتلها، مثل رأس العين وتل أبيض، بالكهرباء.
وبالفعل عملت المحطة لفترة بعد صيانتها. وتم الاتفاق عبر منظمة اليونيسف على استقدام موظفين حكوميين لتركيب أجهزة لتنظيم الكهرباء في المحطة، قبل أن يتوقف العمل نهاية شهر مايو الماضي، على أن تعود تركيا إلى سابق عهدها.
وهذا يعني أن المرونة التركية كانت هدفاً دعائياً ومرتبطاً بالانتخابات التركية فقط، حيث تغير الوضع بشكل واضح بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة.
نحن نعلم أن المياه التي نشربها ملوثة، لكن هل نسمح لأنفسنا أن نموت من العطش؟
وفي طابور الانتظار، تقف أم أحمد مع العديد من الرجال والنساء والأطفال، الذين يحملون عشرات الأواني والأوعية البلاستيكية أمام خزان في أحد الشوارع من أجل ملئها بالمياه.
وأضاف “منذ سنوات وهمنا ومشكلتنا الوحيدة هي كيفية تأمين المياه”. بهذه العبارة بدأت الأربعينية حديثها مضيفة: «أنا وزوجي وأولادي نقضي نصف يومنا في البحث عن الماء، ونقضي النصف الآخر في الشكوى ونعاني من آلام الظهر كما نقضي نصف يومنا في البحث عن الماء». نتيجة اضطراري لحمل دلاء كبيرة لنقل المياه، وأهملت أطفالي وأعمال المنزل بسبب ذلك”.
وتقوم بعض المنظمات بوضع صهاريج في الأحياء وتعبئتها بالمياه بشكل دوري ليقوم الأهالي بملء أوعية المياه ومن ثم نقلها إلى منازلهم.
إلا أن هذه الصهاريج تشهد حالات ازدحام كبيرة، وتنفد المياه بسرعة، فلا يتمكن الكثيرون من الحصول على نصيبهم. الأمر الذي يضطرهم إلى اللجوء إلى شراء المياه مجهولة المصدر من أصحاب الصهاريج الخاصة.
ومن الأمثلة على ذلك أم خلف التي قالت : “نحتاج شهرياً إلى حوالي 200 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 20 دولاراً، لشراء المياه. زوجي عامل مياومة بالكاد يستطيع تغطية نفقات المنزل، لكن وعندما لا يكون لدينا المال، وهو ما يحدث غالبًا، نلجأ إلى جيراننا الذين يملكون الآبار”.
مثل العديد من السكان، لم تعد المرأة الخمسينية تهتم بمدى صلاحية المياه للشرب أو ما إذا كانت مالحة من الآبار المحلية التي حفرها البعض أمام منازلهم في المدينة. وأوضحت لنا: “نحن مضطرون لشرب هذا الماء واستخدامه لغسل الملابس والاستحمام.. أعرف أننا نخاطر بحياتنا.. كثير ممن حولنا أصيبوا بالكوليرا.. لكن لا يوجد حل آخر”. هل نموت من العطش؟
محمود عمر يشاهد الآلة وهي تحفر بئرًا بالقرب من منزله، ويشعر بالقلق من عدم خروج الماء.
قبل عامين، حفر الرجل الستيني بئراً واستخدم مياهها حتى جفت قبل شهر، مما جعله يواجه تحدياً كبيراً وسط ظروف مالية صعبة.
وفي هذا السياق قال «امتلاك البئر خفف عني أعباء مالية شهرية ثقيلة، لكن الآن جفت الآبار إلى حد كبير بسبب قلة الأمطار والجفاف، إضافة إلى الحفر العشوائي والجفاف». قلة المسافات بين الآبار، حيث أن المسافة بين بعضها لا تتجاوز العشرة أمتار… ومنذ بداية أزمة المياه، اضطر السكان إلى حفر الآبار بطريقة عشوائية لتأمين المياه وتخفيف الأعباء المالية الضخمة. ”
ورغم تحذيرات الأطباء من أن مياه الآبار غير صالحة للشرب وحتى للاستخدام المنزلي، لاحتوائها على جراثيم ونسبة عالية من النترات وأيونات الأمونيوم المسببة للسرطان، إلا أن الأهالي ليس لديهم بدائل أخرى للتخفيف من وطأة الأزمة وتفرض عليهم أعباء في ظل عدم كفاية المياه في الخزانات المنتشرة في الأحياء.
وأكمل محمود عمر حديثه: “في السابق لاحظنا وجود المياه بعد أن وصل الحفر إلى عمق 30 مترا، أما الآن فنحن نحفر حاليا أكثر من 60 مترا للعثور على المياه، وإذا وجدناها فستكون يجف بعد أشهر من الاستخدام”.
وبكثير من الحزن والغضب مما آلت إليه الأوضاع في الحسكة، ختم المهندس المتقاعد “لقد سئمت من المشاجرات التي تحدث عندما يتجمع السكان حول الخزانات والصهاريج نتيجة الحاجة الماسة للمياه”.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.
مدينة الحسكة
الجيش السوري
سوريا
تركيا
إمدادات المياه
الحسكة