موقع المغرب العربي الإخباري :
ربما القول بأن، ما بعد معركة طوفان الأقصى ليس كما قبلها، كان كلاماً محسوبا. فمجرى الأحداث – في الشرق الأوسط والمنطقة عموماً في سياق ذاك الحدث تبدو أنها سيرورة تنبئ بتطورات عميقة. فطبيعة وحجم المذابح في غزة ووحشيتها يؤكد على هذا كما يؤكد بأن الصهيونية كانت هي العقل النازي المدبر والمصمم لما عرف بالهولوكوست او المحرقة. وعلينا أن نتوقف عند تساؤلات حول طبيعة الحرب العدوانية النازية التي يشنها كيان الاحتلال الخزري سليل المنظمات الصهيونية الارهابية على غزة وشعبها وامتدادها للضفة، وعلى ماذا ستنتهي. وهل هذا العدوان المستمر مرتبط فعلاً بمعركة طوفان الأقصى ام له مساره فنحن في كل هذا أمام نظريتين على الأقل.
ـ النظرية الأولى: تحصر هذه الحرب في حدود معركة طوفان الأقصى بلا أبعاد سياسية، وتربط توقفها بشرط تحقيق نتنياهو وطغمته الحاكمة لأي هدف من جملة أهداف زئبقية، العامل المشترك فيها هو استهداف حماس بقدراتها أو بوجودها. فهذه النظرية تفترض استغلال طوفان الأقصى للصراع على الحكم في الكيان . ولذلك فإن وقف نتنياهو للحرب بدون تحقيق هدف خرافي يغطي على هزيمته هو انتحار سياسي وحساب ومقاضاة لهذه الطغمة النازية برئاسة نتنياهو. ولذلك فهو في سباق مع الضغوطات الداخلية ومع منافسيه للإنقضاض عليه ووقف حربه التي أصبحت عبئاً على الكيان وأمريكا، وربما يصل الامر لمحاولة الانقلاب عليه أو حتى اغتياله.
الأهم في سياق هذه النظرية أن نتنياهو بعد أن بات متأكدا من استحالة تحقيق أي هدف يفي بالغرض في الضفة وغزة نتيجة الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته وضرباتها وضربات جبهات اطراف محور المقاومة التي فتحت على الكيان من لبنان حزب الله والعراق واليمن، فإنه أخذ يجنح بشدة لافتداء نفسه من خلال البحث عن نقل المعركة من غزة لمكان أخر كلبنان أملاً في إشعال حرب اقليمية يخلط قيها الأوراق دون اكتراث منه بمردود هذه الحرب على الكيان ودول المنطقة وعلى أمريكا نفسها، الا أن قراراً كهذا يبقى بيد أي من أمريكا أو إيران أو حزب الله.
وبهذا لا بد لي من تذكير سذج العرب ومن تحركهم الطائفية والأجندات الخاصة ويتساءلون تهكماً لماذا لا يصعد حزب الله من حربه على الكيان ويستخدم أسلحته الفتاكة متجاهلين أو جاهلين بقواعد الحروب والجدوى. وقد قلناها وقالها كل العقلاء منذ البداية، أن حزب الله سيدخل المعركة دعماً للمقاومة الفلسطينية بالحجم والنوع الذي لا يرتد على بنيته الأساسية ولا يفتح حرباً إقليمية طالما لا تفتحها أمريكا. وقد فعل الحزب ذلك وما زال يقدم من التضحيات الكبيرة في الأرواح الطاهرة وموقعا الخسائر الجسيمة والمؤثرة في العدو وفي ميزان الحرب على غزة. وينسى هؤلاء أنظمة العرب العميلة والمصطفة مع الكيان ومثلها الدول الاسلامية وبعضها نووية. وأقول هنا في سياق الحرب والمواقف من الكيان والقضية بأن المكان الذي تضع فيه إيران وحزب الله واليمن أحذيتهم قد يأنف من احتضان رؤوس تلك الأنظمة العميلة والشريكة للكيان.
ولمن يريد من إيران أو حزب الله أن يحرر فلسطين أن يعلم بأن احتلالات الدول الكبرى أو الاستعمارية لأراضي الغير كما الحال في فلسطين وعشرات الحالات التي تم تحريرها، لا يحررها جيش أو دوله ـ وحتى لو باغتناها بمسحها فستبقى القوة الإمبريالية أو الكبرى قادرة على الاحتفاظ بها وإعادة بنائها كمستعمرة. فالتحرير فيما نحن فيه لا يتم إلا بالمقاومة الشعبية المسلحة التي تبطل مفعول أسلحة التفوق وتولد بضرباتها ولسعاتها وطول نفسها وإنهاكها للعدو القناعة لديه بعبثية البقاء الأمن في المستعمرة وبأن الجدوى أصبحت سالبة له فيخرج. ولهذا أصلاً وُجدت حركات التحرير الوطني. فالمسألة هي مسألة مقاومه، والمقاومة الفلسطينية شيطنها الغرب ويحاربها العرب، ودول العالم والمسلمين يجبنون فلا يدعمونها فكانت إيران وحدها الحرة والشجاعة وذات المبادئ والملتزمة بإسلامها حين رعت المقاومة الفلسطينية ودعمتها، وكان معها أيضاً حزب الله وكان اليمن جد العرب والعروبة وكان أحرار العراق .
ـ النظرية الثانيه: والتي تكمن فيها الحقيقة هي أن هذه الحرب التي يشنها الكيان النازي على غزة والممتدة للضفة، قد أتت في سياق خطة وثيقة الصلة بتصفية القضية الفلسطينية وصفقة القرن، وأن معركة طوفان الأقصى عجلت باخراجها من الأدراج والسعي لتنفيذها بمشاركة أمريكية ودعم أوروبي وتآمر عربي. وعندما نتكلم عن تصفية القضية الفلسطينية فإنما نتكلم عن نزع البعد السياسي عنها أو إذابته بإفراغه في مكان ما خارج فلسطين من ناحيه، وتفكيك رموز هذا البعد السياسي من ناحية أخرى كوكالة الأونروا ومخيمات اللجوء والنزوح وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي كرست الحقوق السياسية الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على تراب وطنه، إلّا أن المقاومة الفلسطينية المسلحة كحركة تحرير وطني والتي كانت تقف وراء هذه القرارات والمكتسبات السياسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وإفشال كل محاولات ومؤامرات تصفية القضية لهذا التاريخ، هي الرمز الأسمى الذي يعبر عن الطبيعة الإحتلالية الاستعمارية للقضية الفلسطينية وصاحبة القيمة الممتازة والضامن الوحيد لفشل وإفشال أعتى قوة غاشمة وأعتى احتلال .
فنحن ندخل مرحلة تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية في اطار صفقة القرن تحت عنوان العدوان الصهيوني على غزة بمضمون المحارق النازية الصهيونية والفظائع بحق الشعب الفلسطيني في غزة والاستباحة في الضفة ولا سبب وراء هذا سوى التطهير العرقي والتهجير القسري بالأحزمة النارية المصممة لجرف المقاومة. بينما ملائكة حماس والجهاد المقاومين لهم قول أخر في تصحيح التاريخ والتحرير .
أما الأنظمة المطبعة والاسلامية فليس منها من سعى أو يسعى لوقف حرب الإبادة على غزة، فكلهم يطالبون بوقف العدوان ولكن ليس منهم من أضفى مصداقية على كلامه باتخاذ أي إجراء عملي واحد ضد الكيان مهما كان تافهاً ليبقوا مدموغين بالخيانة والنفاق الذي يخفي وراءه حقيقة تآمر هؤلاء الحكام مع الكيان على المقاومة وتصفية القضية، وهم الذين اعتادوا القول بكل صفاقة وبلاهة ونفاق أن تطبيعهم هو لحماية الفلسطينيين وقضيتهم، وما هو في الواقع سوى خيانة وعمالة وتحالفاً مع الصهيو أمريكي مقابل تنصيبهم حكاما فسدة وحمايتهم. وأوليس عجيبا ومتناقضا ذاك الحاكم الذي يدعى بأنه ضد التهجير ويصمت بنفس الوقت على الإبادة الجماعية في غزة؟ .
إن الحقيقة بشأن الأنظمة العربية المطبعة مفزعة، وما كان للكيان أن يبقى قائماً ويعيش أو يحظى بقبول دولي أو يشعر مستوطنوه بشيء من الثقة أو الأمان لولا هذه الأنظمة الخائنة، والتي بدورها ما كان لها أن تبقى لو وجدت شعوبا تواجهها وتنهض بواجباتها الوطنية والقومية، فبعض هذه الدول سلمت نفسها وقدراتها ومقدرات شعبها وقرارها للكيان، وكلها تعطي الكيان صفة الدولة الأولى بالرعاية. فلا حل مع هذه الأنظمة إلا عند شعوبها
أما بقدر ما يتعلق الأمر بالأردن، فإن نظامه ما زال لا يتعامل البتة مع حقيقة الأخطار الصهيونية المحدقة بالأردن والأردنيين، ولا مع خصوصية الأطماع الصهيونية في الأردن، ولا مع كونه البوابة الوحيدة لتصفية القضية الفلسطينية، بل كبل الشعب الأردني والأردن بعشرات الاتفاقيات مع الكيان شملت كل أساسيات الحياة ووفرت فرص الإبتزاز والضغوطات الحاضرة والمستقبلية، وكان الأردنيون وما زالوا يواكبون مع النظام فصول تصفية القضية بالمذابح والمحارق في غزة، إلا أن الاستجابة لنداءات الشعب كل الشعب قد استعصت باتخاذ أي إجراء عملي ضاغط على الكيان ولو بالإنعتاق من اتفاقية واحدة .فهل كل الأردنيين على خطأ والنظام وحده على صواب، وهل ينتظر الاردنيون ليجدوا أنفسهم لقمة سائغة في فم الكيان، متى يفهم النظام أن معاداة العدو أسلم من صداقته وأن الاردنيين لن يكونوا إلا أعداء لكيان الإحتلال ورافضين لأي اتفاق أو اتفاقية أو معاهدة معه وأن القضية الفلسطينية هي لهم قضية وطنية لا مجرد قومية.
انسخ الرابط :
Copied