تأسس مخيم عين الحلوة، الواقع في مدينة صيدا جنوب لبنان، عام 1948 إثر المجازر والجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، والتي أصبحت تعرف بالنكبة الفلسطينية مساحتها 1.5 كيلومتر مربع. وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان وأكثرها كثافة سكانية. ويقدر عدد سكانها بـ 75 ألف لاجئ فلسطيني، ويعود اكتظاظها إلى انتقال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين إليها هرباً من مخيماتهم المدمرة خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، كمخيم تل الزعتر ومخيم النبطية الذي كان دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية عام 1974. بالإضافة إلى ذلك، يعيش هناك أيضًا اللاجئون الفلسطينيون الذين فروا من سوريا بسبب الحرب على البلاد. علاوة على ذلك، تستقر في هذا المخيم عائلات لبنانية وسورية وحتى جنسيات أخرى متعددة.
ويتكون مخيم عين الحلوة من الخيام التي أقامتها وكالة الأمم المتحدة للأونروا. ثم تحولت الخيام إلى شقق سكنية عشوائية اسمنتية ذات أسقف من الصفيح. وبدأ سكان هذه المنازل يعانون من الرطوبة وسوء التهوية، حيث لم يتمكن ضوء الشمس من الوصول إلى داخل المنازل بسبب ضيق المساحة؛ ويتفاقم الوضع بسبب عدم حق اللاجئين الفلسطينيين في التملك خارج المخيمات. وارتفعت الشقق السكنية بشكل عمودي رغم القيود الصارمة التي تفرضها القوى الأمنية اللبنانية على إدخال مواد البناء إلى المخيمات الفلسطينية، معتبرة الأمر من الناحية الأمنية وليس من الناحية الإنسانية. ولاحقاً، سيطر الجيش اللبناني على جميع المداخل المؤدية إلى المخيم، وتم نصب حاجز إسمنتي حول المخيم، وهو ما يعتبره اللاجئون الفلسطينيون شكلاً من أشكال الحصار. ورغم ذلك فقد أصبح حقيقة.
بسبب حرمان اللاجئين الفلسطينيين من العمل في لبنان بموجب القانون اللبناني، ارتفعت معدلات الفقر داخل مخيم عين الحلوة إلى 90%، وبعد تقليص خدمات الأونروا ومساعداتها بسبب نقص التمويل الدولي، ارتفعت نسبة الهجرة غير الشرعية زيادة. لذا، لم يكن في أذهان اللاجئين الفلسطينيين سوى شيء واحد، وهو تغيير واقعهم المأساوي. ونشطت شبكات التهريب، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدها لبنان. وقام بعض سكان عين الحلوة ببيع منازلهم للهجرة إلى الدول الأوروبية. إلا أن بعض هذه الدول لم تستقبلهم، فأصبحوا بلا مأوى وعاطلين عن العمل، بل واختفى بعضهم وغرق في البحر.
ورغم كل هذه المأساة، تعرض مخيم عين الحلوة للدمار أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 للقضاء على اللاجئين الفلسطينيين، وما حدث في مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر من العام نفسه دليل واضح على نيتهم. . واستمرت المعركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم عين الحلوة لمدة أسبوعين متتاليين. وحينها قرر الفلسطينيون عدم الاستسلام واتخذوا قرارهم بمواجهة العدو ومنع الجيش الإسرائيلي من التسلل إلى المخيم الذي دمر بالكامل. قاد المعركة الكبار والأطفال البالغون من العمر 14 عامًا، والذين عُرفوا فيما بعد باسم أطفال “آر بي جي”. ومنذ ذلك الوقت، تحول مخيم عين الحلوة إلى ملجأ للأشخاص الذين لا مأوى لهم، وتحول إلى قرية فلسطينية مصغرة عام 1948. وستجد في الداخل صور القدس والشعارات الوطنية والمفاتيح القديمة لبيوت الفلسطينيين التي ما زالوا يأملون العودة إليها.
ومع استمرار المعاناة، لم تكتف حكومة الاحتلال الإسرائيلي بوقف عدوانها على كافة المخيمات الفلسطينية، سواء في لبنان أو الضفة الغربية أو قطاع غزة أو سوريا أو الأردن… إذ تعتبر أن تفكيك المخيمات هو الحل الوحيد. الحل لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما لا تيأس من تحقيقه. وواصلت الحكومة الإسرائيلية التخطيط لتنفيذ هذا المشروع، وهو ما أكدته صفقة نتنياهو – ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن” عام 2020، والتي نصت على تشتيت اللاجئين الفلسطينيين في مختلف الدول الإسلامية.
واليوم، تهاجم قوات الاحتلال الإسرائيلي المخيمات في الضفة الغربية، مثل مخيمات بلاطة وشعفاط وجنين وعين شمس… الواقعة على أطراف المدن، بهدف القضاء على حق العودة اللاجئين. ويعمل الإسرائيليون على توسيع المستوطنات غير القانونية عن طريق هدم منازل الفلسطينيين، وتهويد المنطقة، والطرد القسري. الأمر نفسه ينطبق على قطاع غزة، حيث انطلقت مشاريع الهجرة، ويتراوح عدد المهاجرين بين 800 و1000 فلسطيني يبحثون عن حياة جديدة بسبب معاناتهم من الحصار الإسرائيلي الظالم. وتعرضت بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا للتدمير بعد سيطرة الجماعات المسلحة عليها.
أما المخيمات في لبنان، فبعد تدمير مخيمي النبطية وتل الزعتر ومن ثم مخيم نهر البارد عام 2007، نزح الناس. والأمر نفسه ينطبق اليوم على مخيم عين الحلوة بعد أن حاولت المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة فرض سيطرتها على مخيم عين الحلوة وقتلت قائد الأمن الوطني الفلسطيني العرموشي، بهدف تعطيل الحركة الفلسطينية. والعلاقات الأمنية اللبنانية، ومن ثم المضي قدما في تدمير المخيم. والدليل واضح: لقد نصبت الخيام بالفعل خارج المخيم للاجئين. وتمارس ضغوط كبيرة على المجتمع الدولي لتهجير الفلسطينيين وتنفيذ خطة الحكومة الإسرائيلية للقضاء على المخيمات الفلسطينية.
يعيش أهالي مخيم عين الحلوة مأساة ومعاناة غير مسبوقة، حيث نزحت عائلات ولم يعد لديهم ملاذ آمن ليحتموا بأنفسهم من المعارك المستمرة مع الجماعات المسلحة المتطرفة. لقد وقع الفلسطينيون في مرمى النيران: فهم يريدون الحفاظ على حقهم في العودة والحفاظ على العيش الكريم.
باختصار، هناك اعتقاد بأن المعارك التي تجري اليوم في مخيم عين الحلوة لها أبعاد تتعلق بالأزمة اللبنانية الداخلية من أجل الضغط على انتخاب رئيس بعد 9 أشهر من الفراغ واستقالة الحكومة اللبنانية. وتفيد التقارير أن أبعاداً إقليمية أخرى تتعلق بالسياسة الدولية للحد من المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية.
ولذلك يرفض الفلسطينيون أن يكونوا صندوق بريد يحمل رسائل إقليمية وسياسية خارجية. ويطالبون بوقف فوري لإطلاق النار، تفادياً لتدمير مخيم عين الحلوة وتنفيذ المخطط الإسرائيلي.
وندعو المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإغاثية إلى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا مخيم عين الحلوة مع عائلاتهم ومنكوبي المأساة لتوفير الغذاء والسكن والدواء والعلاج والتعليم لهم… حتى يتم حل الأزمة. انتهاء المعارك ضد الجماعات المسلحة. ومن المؤكد أن أهداف الأخير لا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وفق القرارات الدولية.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.
فلسطين المحتلة
اشتباكات عين الحلوة
عين الحلوة
فلسطين
نكبة 1948
صيدا
لبنان
مخيم عين الحلوة
النكبة