في وقت سابق من هذا الشهر، رحبت المملكة العربية السعودية بالنتائج الإيجابية التي أعقبت جولة من المفاوضات استمرت خمسة أيام بين حكومة أنصار الله ومقرها صنعاء ومسؤولين من الرياض. ومع ذلك، تتصاعد التوترات مرة أخرى مع استمرار الحرب المستمرة منذ 8 سنوات في ظل غياب حل طويل الأمد. وبينما يركز السعوديون على المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع الإسرائيليين، فإن التركيز الحقيقي للسياسة الخارجية يجب أن ينصب على إنهاء الحرب في اليمن.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة صنعاء، فإن 2328 مدنياً يمنياً قتلوا أو أصيبوا جراء قصف قوات التحالف بقيادة السعودية على المناطق الحدودية في صعدة، منذ بدء الهدنة بين السعودية وأنصار الله في أبريل/نيسان 2022. وكما هو الحال عادة، عندما يتعلق الأمر باليمن، فإن جرائم الحرب شبه اليومية المرتكبة ضد السكان المدنيين في البلاد لا يتم توثيقها على الإطلاق في وسائل الإعلام الغربية. ومع ذلك، عندما قُتل ثلاثة جنود بحرينيين على طول المنطقة الحدودية السعودية، فيما تدعي المنامة أنه هجوم من أنصار الله، وصلت الأخبار إلى الصحافة الدولية على الفور؛ كما حدث في وقت سابق من هذا الأسبوع.
في 21 سبتمبر/أيلول، نظمت القوات المسلحة اليمنية الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء عرضاً عسكرياً ضخماً في ساحة السبعين. وخلال العرض، كان هناك تحليق لطائرات مقاتلة يمنية، حيث عرض أنصار الله نماذج جديدة للقوارب البحرية، بالإضافة إلى عينة من ترسانة الطائرات بدون طيار والصواريخ. وتم الكشف عن أسلحة جديدة، مثل الصواريخ البحرية روبيج وفالح ومندب 1 ومندب 2 وآصف والصياد وسجيل، بالإضافة إلى صاروخ كروز قدس Z-0 بعيد المدى الجديد. ما أظهرته القوات المسلحة اليمنية على مدى السنوات الماضية هو أن قدراتها نمت بشكل كبير وأن أي جولة متجددة من الصراع ستؤدي إلى ضربات أكثر فتكا للمعارضة التي تقودها السعودية.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فقد أذهلتهما دقة صواريخ أنصار الله وترسانة الطائرات بدون طيار، مما أدى إلى وقف إطلاق نار قصير الأمد تم تجديده تدريجياً مع مرور الوقت. وفي يناير/كانون الثاني من عام 2022، شنت أنصار الله سلسلة من الضربات ضد أهداف في الإمارات، امتدت بين دبي وأبو ظبي، مما تسبب في جدل كبير ومخاوف أمنية. ولتعزيز الرسالة، فور وصول الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ إلى دبي، تم شن هجوم آخر. وهذا يدل على خطورة التهديد الذي سيواجهه السعوديون والإماراتيون إذا استمروا في سياساتهم العدوانية تجاه اليمن.
مع كل هجوم ناجح بطائرات بدون طيار وصواريخ على الأراضي السعودية والإماراتية، جاء إدراك إضافي بأن أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية لا يمكنها وحدها تأمين سلامة البنية التحتية الحيوية لبلادها، وأنها في حالة استمرار عدوانها، فإنها ستتلقى ضربات انتقامية كبيرة في المنطقة. يعود. وفي نهاية المطاف، تم نقل هذا أيضًا للتأكيد على قوة إيران الأكثر قوة، والتي كان السعوديون في مهمة لمعارضتها إقليميًا في ذلك الوقت. وفي حال قيام الولايات المتحدة بتشجيع صراع مفتوح ضد طهران، فقد أصبح من الواضح أن هذا سيأتي بعواقب مدمرة.
والآن، مع تصاعد التوترات مع اليمن، يبدو أن القيادة السعودية تخطو خطوات كبيرة نحو قبول فكرة تطبيع العلاقات مع “تل أبيب”. على الرغم من الافتراض بأن التطبيع يجب أن يشمل شيئًا ما للشعب الفلسطيني، فقد تخلت المملكة العربية السعودية بالفعل عن فكرة تأمين ما يسمى بحل “الدولتين” مقابل التطبيع؛ إسقاط مبادرة السلام العربية التي صمموها لأول مرة وتم اعتمادها في عام 2002، ثم أعيد اعتمادها في عامي 2007 و2017 في جامعة الدول العربية.
في حين أن المملكة العربية السعودية لا تزال تخوض حرباً نشطة من جانبها، على حدودها الجنوبية، فمن غير المنطقي أن تمضي قدماً في صفقة ملتهبة لا تؤدي إلا إلى المزيد من التخلي عن فكرة السلام الإقليمي. كما كانت هناك تقارير تفيد بأن الرياض طلبت من واشنطن تحالفًا دفاعيًا مقابل التطبيع مع النظام الصهيوني، وهو ما من شأنه أن يحاكي بشكل أساسي المادة الخامسة من حلف الناتو – الحرب على أحد الأشخاص هي حرب على الجميع. والسبب وراء مثل هذه الاتفاقية الدفاعية هو جر الولايات المتحدة إلى أي صراع محتمل يندلع بين المملكة العربية السعودية ودولة أخرى، في حالة انتهاء صفقة التطبيع إلى إشعال حرب. لكن الأخطر في هذا التنازل الأمريكي، إذا كان مطروحاً على الطاولة، هو أن واشنطن ستوقع نفسها بشكل أساسي على خوض حرب مع اليمن على الفور. إذا حدث ذلك، أو إذا مُنحت السعودية تنازلات قد تعرض الأمن الإيراني للخطر، فإن اتفاق التطبيع من شأنه أن يفسد على الفور التقارب الأخير بين الرياض وطهران الذي كان قائما بوساطة الصين.
صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول خطاب له عن السياسة الخارجية بأنه سيحقق نهاية للحرب في اليمن، لكنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق هذه الغاية. وقف إطلاق النار السعودي اليمني جاء برعاية الأمم المتحدة، وليس عبر وساطة أميركية، والآن تلاشى الحديث عن تحقيق سلام دائم في واشنطن في الخلفية. ليس فقط أن قيام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتطبيع العلاقات رسميًا مع “إسرائيل” قبل حل الحرب في اليمن كان خطأً أمنيًا فحسب، بل سيؤدي ذلك على الفور إلى تأجيج التوترات في جميع أنحاء المنطقة وربما داخل المملكة العربية السعودية. بحد ذاتها.
عندما نتحدث عن تصاعد الحرب في اليمن، فإننا نتحدث عن هجمات كبيرة على البنية التحتية السعودية لن تتمكن أي كمية من بطاريات باتريوت الأمريكية المضادة للطائرات من صدها. كما قد نشهد اشتعال الصراع بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، مما يضع الرياض إلى جانب “تل أبيب”، فيما يمكن للمقاومة اليمنية أن تطلق النار في أي وقت على الكيان الصهيوني، وهو ما من شأنه أن يثبت علناً كارثة العلاقات للدول التي تحكم الحرمين الشريفين في العقيدة الإسلامية. وعلى الرغم من عدم اهتمام العالم الغربي بمصير الشعب اليمني، إلا أن السعودية يجب أن تفهم أنها ليست موجودة في أوروبا وستواجه أزمات مستمرة إذا لم تنهِ هذه الحرب. يجب أن تكون الأولوية بالنسبة للرياض هي اليمن، وليس تسجيل صورة رائعة لجو بايدن لاستخدامها في الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ الانتخابات التي سيستفيد السعوديون منها أكثر من رؤية فوز الجمهوريين.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.